المصقول بالشعاع الذي توامضك به المرآة إذا انقدحت جمرة الفلك عليها"، ومن أدبه في هذه المرحلة ما نقتطفه مما كتبه في جريدة "العروة الوثقى"، بعنوان "الشرف" ص٣٠٧ ج٢ تاريخ الإمام "خدع قوم بالأحلام، وغرتهم الأوهام ففرطوا في شئون بلادهم، وباعوا مجدهم الشامخ بتلك الأسماء التي لا مسمى لها، وزعموا وإن لم تطاوعهم ضمائرهم أنهم رقوا مكانة من الشرف، وإن كان خاصا بهم بعد ما علموا أن الرتب، والنياشين جاوزت حدها، ونالها غير أهلها، فلو أنهم أصغوا لما تحدتهم به سرائرهم، وتعنفهم به خواطر أفئدتهم، ورمقوا بأبصارهم ما يحيط بهم لعلموا أنهم في أحسن المنازل، وأبعد المزاجر وأدركوا خطأهم في معنى الشرف، وجورهم عن جادة الصواب في طلبة لو أحسوا بما رزئت به أوطانهم، وما لصق من الذل والعار بذراريهم لطرحوا الوشاحات، ونبذوا الوساءات ولبسوا أثواب الحداد، ونفروا خفافا، أو ثقالا لطلب الشرف الحقيقي.
الشرف حقيقة محدودة كشفتها الشرائع، وحددتها عقول الكاملين من البشر، وليس لذي شاكله إنسانية أن يرتاب في فهمها، إلا من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة ... من أتى عملًا من الأعمال له أثر من هذه الآثار فهو الشريف، وإن كان يسكن الخصاص والأكواخ، ويلبس الدلوق والأسمال، ويقتات بنبات البر ويبيت على تراب القفر، ويتوسد نشر الأرض، ويضرب في كل واد، ويتردد بين الربا والوهاد، هذا له حلية من عمله وزينة من فضله، وبهاء من كماله وضياء من جده يهدي إليه ضالة الألباب، وتائهة الأفئدة تعرفه المشاعر الحساسة ولا تنكسره، وتكتنفه ذرات القلوب المتطايرة إليه، ولا تنفصل عنه، له من روحه قصور شاهقة، وغرفات شائقة ومناظر رائقة، وجمال باهر ونور زاهر لا يكاد يخفى حتى يظهر، ولا يكاد يستر حتى يبصر، إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه إلى أعلى عليين، حياة طيبة في القلوب، وغرة مشرقة في جبين الزمان، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.