للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعد الخطيب:

خطابة سعد أبلغ معجزاته، وأروع آياته، وأبرز صفاته، فقد كان خطيبا ساحرا، يخلب الألباب، ويهز المشاعر، ولم تر مصر بل الشرق في التاريخ الحديث مثل سعد خطيبا ندي الصوت، بليل اللسان، زاخر الخاطر، رائع البيان.

كان جم البديهة، قاهر الحجة، بليغ اللهجة، يؤثر بفصاحته وسمته وهيمنته ويلائم بين الإقناع والامتناع، ويتصرف في أفانين القول، وغرائب الفكر، وأطايب البيان برقة أسلوبه، وجمال إيقاعه وتطريبه.

يبلغ النفوس العاتية فتخضع، والرءوس المكابرة فتخشع، ويسمعه المظلوم فيثور، والظالم فيكاد يتقد غيظا، وبينما تراه هادئا كتغريد الطير إذا بك تراه هائجا كغضبة البحر، يجذب السامعين إليه، ويطيعهم على شعوره وإحساسه. فيضحكون مرة ثم يبكون أخرى، ويطمعهم ثم يؤنسهم، فما يزال يطوع أفكارهم، ويلين قيادتهم حتى لا يدع لهم إرادة، وذلك من بعض سحرة وأخذه.

أما بديهته، وأما دعابته وجاذبيته فهو في كل ذلك آية الآيات.

كان عذب المنطق، مسلسل الفكر، مجود العبارة، صحيح الإعراب، غزير العلم، يخطب فيهدي إليك ما يطربك من السياسة والقانون والأخلاق.

وقد أنكر عليه خصومه كل مواهبه، ونالوا من فضائله ونواحي عظمته ما نالوا، ولكن واحدا منهم لم ينكر عليه فصاحة منطقه، وروعة خطابته، وقوة أسره، وعظيم تصرفه في البيان.

ولقد يكون سقيما نهكته العلة، وليس له من القوة ما يمكنه من الحديث، ولو خفض الصوت ولم يكثر، ولكنه يحن إلى الخطابة على رغم دائه، ويلج به الشوق لها، فإذا به ينسل من علته، ويتهادى على إعياء إلى منبره، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>