ويقول ابن كثير في مقدمة تفسيره: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك وطلبه، وتعلم ذلك وتعليمه؛ كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} ١.
وما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب، وهو لا يفهم ما يتلو! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وما أقبح أن يُسأل عن فقه ما يتلوه فلا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا!!
ذلك لأن القرآن كما هو مطلوب تلاوته، كذلك مطلوب تفهمه للعمل به..
قال إياس بن معاوية:"مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلًا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة، ولا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب".
ومما تسيء المسلم رؤيته أن يرى بعض حملة القرآن وهم يرددونه ينشغلون بإعجاب الناس، فيخرجون عن تلاوته حق التلاوة، أوينزلون بألفاظه عن منازلها. "ولقد انصرف شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سمع قارئًا كان يقرأ في مأتم مَن يُدعى يوسف، سمعه وهو يقول:{يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} فقال: هذا نياح بالقرآن"..
ومما يندى الجبين له أن نرى لأناس تفاسير ليس بها إلا التعبير عن هوى مأخوذ، ورأي ساقط، لا علم لأصحابها بسُنَّة، ولا دراية لهم بلغة، وكل ما أهلهم لذلك دراسات لا صلة لها بالدين، وجرأة على كلام أحكم الحاكمين.
١ انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ١/ ١٠، ط ابن كثير.