للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ قَالَ: شِعْرٌ كُفْرٌ وَعِنَادٌ مَحْضٌ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِقَوْلِهِ: {قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَظْمِ الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إل تَذَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَثْرٌ فَلَيْسَتْ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي وُضُوحِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ كَمُخَالَفَتِهِ الشِّعْرَ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ فَحَسُنَ خَتْمُهُ بِقَوْلِهِ: {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}

وَمِنْ بَدِيعِ هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافُ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَاحِدٌ لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ثُمَّ قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا حَصَلَتِ النِّعَمُ الْكَثِيرَةُ فَأَنْتَ آخِذُهَا وَأَنَا مُعْطِيهَا فَحَصَلَ لَكَ عِنْدَ أَخْذِهَا وَصْفَانِ كَوْنُكَ ظَلُومًا وَكَوْنُكَ كَفَّارًا يَعْنِي لِعَدَمِ وَفَائِكَ بِشُكْرِهَا وَلِي عِنْدَ إِعْطَائِهَا وَصْفَانِ وَهُمَا: أَنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ أُقَابِلُ ظُلْمَكَ بِغُفْرَانِي وَكُفْرَكَ بِرَحْمَتِي فَلَا أُقَابِلُ تَقْصِيرَكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيرِ وَلَا أُجَازِي جَفَاكَ إِلَّا بِالْوَفَاءِ

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا خَصَّ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ بِوَصْفِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَسُورَةَ النَّحْلِ بِوَصْفِ الْمُنْعِمِ لِأَنَّهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي مَسَاقِ وَصْفِ الْإِنْسَانِ وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي مَسَاقِ صِفَاتِ اللَّهِ وَإِثْبَاتِ لألوهيته

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} وَفِي فُصِّلَتْ خَتَمَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْلَ الْآيَةِ الْأُولَى {قُلْ لِلَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>