وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ فَذَاكَ إِقْرَارٌ بوجود الإله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فَجَعَلَ مَقْطَعَ هَذِهِ الْآيَةِ الْعَقْلَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا فَاعْلَمْ أَنَّ التَّسَلْسُلَ بَاطِلٌ فَوَجَبَ انْتِهَاءُ الْحَرَكَاتِ إِلَى حَرَكَةٍ يَكُونُ مُوجِدُهَا غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ وَهُوَ الْإِلَهُ الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ نِسْبَةَ الكواكب والطبائع إلى أَجْزَاءِ الْوَرَقَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ إِنَّا نَرَى الْوَرَقَةَ الْوَاحِدَةَ مِنَ الْوَرْدِ أَحَدَ وَجْهَيْهَا فِي غَايَةِ الْحُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي غَايَةِ السَّوَادِ فَلَوْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ بالذات موجبا لَامْتَنَعَ حُصُولُ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي الْآثَارِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} كَأَنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ مَا تَرَسَّخَ فِي عَقْلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالذَّاتِ وَالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهُ فَإِذَا نَظَرْتَ حُصُولَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَيْسَ هُوَ الطَّبَائِعَ بَلِ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ فَلِهَذَا جَعَلَ مَقْطَعَ الْآيَةِ التَّذَكُّرَ
وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الْآيَاتِ فَإِنَّ الْأُولَى خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وَالثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَرْكِهَا عَدَمُ الْعَقْلِ الْغَالِبِ عَلَى الْهَوَى لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ لِعَدَمِ اسْتِكْمَالِ الْعَقْلِ الدَّالِّ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكَذَلِكَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لِسَبْقِ إِحْسَانِهِمَا إِلَى الْوَلَدِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْأَوْلَادِ بِالْوَأْدِ مِنَ الْإِمْلَاقِ مَعَ وُجُودِ الرَّازِقِ الْحَيِّ الْكَرِيمِ وَكَذَلِكَ إِتْيَانُ الْفَوَاحِشِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute