للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استدلّ السلف رحمهم الله تعالى على عدم تكفير مرتكب الكبيرة بأدلّة كثيرة من الكتاب والسنّة.

أمّا من الكتاب، فقد استدلّوا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .... } (١).

فهذه الآية نفت أن يغفر الله للمشرك، فدلّ ذلك على أن من مات مصرًّا على كبيرة دون الشرك فهو إلى الله تعالى إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبه بقدر ذنبه. أمّا من مات وهو مشرك، فإن الله لا يغفر له بنصّ الآية.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية: "وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرة شركًا بالله" (٢).

وبقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ... } إلى قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ... } (٣).

قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "وفي الآية دليل على أن القاتل لا يصير كافرًا بالقتل، لأن الله تعالى خاطبه بعد القتل بخطاب الإيمان، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}، وفي آخر الآية قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، وأراد به أخوّة الإيمان، فلم يقطع الأخوّة بينهما بالقتل" (٤).

وبقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... } (٥).


(١) سورة النساء، آية (٤٨).
(٢) تفسير ابن جرير الطبري (٥/ ١٢٦).
(٣) سورة البقرة، آية (١٧٨).
(٤) تفسير البغوي (١/ ١٤٦).
(٥) سورة الحجرات، آية (٩).

<<  <   >  >>