* ومنذ أن حاول الاستعمار وعملاؤه زرع إسرائيل في جسم هذه الأمة وهم يخدرون الجسم إلى الحد الذي لا يحس بالجراحة وينشطونه إلى الحد الذي لا يموت مع هذه الزراعة، أو بالأحرى هم ينضجون هذا الطعام (الطبخة) العسيرة جداً والقاسية جداً على الاستواء بزيادة الضغط في القدور وبالسماح بإخراج الكميات الزائدة من البخار، وهكذا لا تزال عظامنا تحت الضغط والنيران حتى نقر بوجود إسرائيل وأنها حقيقة واقعة وتستوي الطبخة جيداً ويعيش العربي مع الإسرائيلي.
* هذه مقدمة مطولة جداً لموضوعنا ضربنا له هذه الأمثلة الحسية لنقربه من الذهن وذلك أن كثيرين منا يخلطون بين النقد وتصحيح مسار الحكم، وتسديد الحاكم، وبين ما يجري على الساحة العربية من "التنفيس السياسي" الذي لا يراد به شيئاً مما سبق أصلاً وإنما يراد به فقط التخفيف عن صدور الناس بالقدر الذي يؤهلهم إلى السير في طريق الحاكم إلى منتهاه دون أن تتقطع قلوبهم أو ينفجروا انفجاراً مدمراً.
وقد أخذ هذا "التنفيس" في بلادنا العربية صوراً في غاية الغرابة والعجب فأول صور هذا التنفيس هو "النكتة السياسية" وهي تأليفة محبوكة تصور الواقع السياسي الخاطئ في أسلوب هزلي ضاحك ومع القهقهة والضحك من القلب الذي ينفجر بعد هذه النكتة يشعر القائل والسامع أنه نفث عن صدره وأخرج البخار الزائد الذي لو بقي لدمر حياته ودفعه إلى الثورة والعنف.