للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهاك ما قاله في موظف الحكومة إبان الحرب العالمية الأولى وقد اشتد به الضيق وحزبه الضر، من شدة الغلاء، وكثرة البلاء حتى وضعت منزلته بين قومه، وهان على الناس، وعلى حين أثرى الجهال وارتفع السفلة.

طليح أسى كابن الحكومة لاحه ... تباريح هم بالفؤاد وجيع

لقد كان في بحبوحة من حياته ... وحِرز عن الفقر المهين منيع

يمر فيغضى الناظرون مهابة ... وإن هو حيا أومأوا بركوع

فأصبح مهزول المكانة خاملا ... همامة حر في ثياب وضيع

يرى الناس في أكناف مصر تربعوا ... منازل عيش باليسار وسيع

فمن زارع ضاقت خزائن بيته ... بغلات بنات له وزورع

ومن تاجر إن ترجع القول عنده ... حرمت إذا لم تأته بشفيع

إن هذه صور زاهية فيها إلمام بالحالة النفسية والظاهرية، تدل على مقدرة، وعلى دراسة وتمكن من الموضوع، وعلى شاعرية وحسن أداء.

ولا تحسبن أنه في وصف الأشياء دونه في وصف الحالات، فوصف الشيء هو ما برع فيه العرب، وقد أثبت ديوان عبد المطلب فيضًا من الموصوفات ما بين حسي ومعنوي وكان له غرام بوصف بعض المخترعات الحديثة كالقطار والطيارة، وتراه لا ينفك في كثير من القصائد يذكر البخار وعجائبه.

فمن موصوفاته البديعة ما صور به مختلف الجهود التي جلبها الحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى إلى مصر، من طويل عملاق، وقصير قزم، وأسود، وأبيض، وأحمر، ووصف عربدتهم وفسقهم:

تبصرخليلي هل ترى من كتائب ... دلفن بها كالسيل من كل مودق١

سراعًا إلى الحانات تحسبهم بها ... نعامًا تمشي زردقًا خلف رزدق٢


١ المودق: معترك الشر.
٢ الرزدق. الصف من الناس معرب "رسته" بالفارسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>