للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموازنة بين العقل والخيال أحيانًا أو تغليب الفكرة على العاطفة والخيال قد جاء شعرهم رديئًا بل هو إلى النظم أقرب منه إلى الشعر، ولا بدع فالشعر لا يحتمل كثيرًا من حشد الحقائق وقضايا المنطق والبراهين العلمية، وليس معنى هذا أن يصدف الشعراء عن القراءة والدرس والإفادة من تجارب سواهم وسبر أغوار النفوس الإنسانية وتحليلها بل إن هذا واجبهم في عصرنا هذا بشرط أن يأتي شعرهم انعكاسًا للانفعالات النفسية التي استحوذت عليهم حين قراءتهم أو إفاداتهم تجارب جديدة لا أن يكون كتابًا علميًّا.

ويتهكم طه حسين بشعر المناسبات، وينعى عليه ويشبه بالكراسي الجميلة المزخرفة التي تتخذ في الحفلات والمآتم١. وهو في هذا محق بعض الحق، وقد كان لحملته وحملات غيره أثرها في إقلاع الشعراء عن هذا الضرب من الشعر إلا بقية متخلفة.

والدكتور طه ممن عنى بدراسة الأدب القديم بجانب دراسته للأدب الحديث بل قد اهتم بالقديم اهتمامًا كبيرًا ورأى فيه جمالًا فنيًّا، وأن العرب أحدثوا هذا الجمال فيه وفهموه وقدروه، وليس الأمر كما يزعم بعضهم من أنه خلو من هذا الجمال الشعري الذي يكسو الآداب الأفرنجية في زعمهم، وليس هناك ما يرد هذا الجحود، ويدفع هذا الزعم مثل ما نجده من جمال في شعر ابن ذريح وجميل بن معمر وأضرابهما من شعراء الغزل، ومن ذلك قصيدة قيس بن ذريح التي يقول فيها:

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع

لقد رسخت في القلب منك محبة ... كما رسخت في الراحتين الأصابع٢

ومن دفاعه عن الشعر القديم قوله: "لا بد أن تنفذه بذوق عصره لا بذوق العصر الذي يعيش فيه الناقد وإلا لما أنصفناه٣".


١ حافظ وشوقي ص١٥٠.
٢ نفس المصدر ص١٥.
٣ حديث الأربعاء ج١ ص٢٢٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>