للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي عملت التقاليد على إبقائها١. كذلك الهولندية التي يتكلمها البوير قد سبقت هولندية هولندا في طريق التطور٢.

اللغات التي لا تتنقل تعد لغات محافظة على وجه العموم, إذ إن اللغات التي لا تتكلم إلا في مساحة محكمة الحدودة بعيدة عن ملتقى طرق المواصلات الكبرى -التي تختلط فيها الأجناس- ذات طابع حوشي بين في غالب الأحيان. فاللتوانية أكثر اللغات الهندية الأوربية حوشية، لأنها لغة قوم زراعيين يقطنون إقليم غابات فقير، في معزل عن الأقطار الأوربية الكبيرة. وأصلح الأماكن للمحافظة على سلامة اللغة هي الأقاليم الجبلية وأطراف أشباه الجزر حيث يضؤل التأثير الخارجي. ومن ثم احتفظت البسكية بطابعها لانحصارها بين وديان البرينيه، وكذلك البريتانية لتحصنها وراء المحيط.

يؤثر المسكن أيضا على تطور اللغات. فإذا كان السكان مخلخلين متفرقين، فإن هذا التبدد يساعد على الانقسام إلى لهجات. وإذا كان السكان يعيشون متجمعين في محلات ومدن، فإن هذا النوع من الحياة يساعد على خلق اللغات المشتركة التي ليست في واقع الأمر إلا منزلة وسطى بين لغات الطبقات الاجتماعية المختلفة التي تضمها المحلة أو المدينة. ومن ذلك نرى أن التأثير الاجتماعي لا يعوق تطور اللغة أو يعجل به فحسب، بل أيضا يعين اتجاه هذا التطور ومداه. وكل ما قلناه فيما سبق عن أحوال اللغات المشتركة واللهجات واللغات الخاصة يصلح تمثيلا لهذا المبدأ العام.

وتوجه العوامل الاجتماعية نشاطنا العقلي أيضا. فتاريخ اللغات حين يشمل فترة طويلة من الزمن، يسمح لنا بأن نتبين بعض تأثير التطور الاجتماعي على عقلية البشر, وقد لاحظنا مثلا اتجاه اللغات العام نحو التخلص من الخصائص الغيبية لتسير في سبيل العقلية ونحو نبذ التعبير عن الأفكار المشخصة لترقي صعدا في معارج التجريد, ونحو اللغات الهندية الأوربية في أقدم صورها أكثر ذاتية


١ جدس Geddes؛ Study of a Candian French dialect ونقل عنه Meyer Lubke في Germ-rom - Monatschrift مجلد ١، ص١٣٣.
٢ هـ. ميير H. meyer؛ Die Sprache der Buren، جوتنجن "١٩٠١".

<<  <   >  >>