للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما اللغة الانفعالية فإنها ستشغلنا أكثر من هذا فإنها أصبحت، وخاصة منذ بداية هذا القرن، موضوع بحوث عميقة حددت معالم ميدانها وأوضحت طرائقها١.

ومنذ زمن غير قصير كان ج. فن درجبلنتس G. VON DER GABELENTZ يقول: "الإنسان لا يستخدم اللغة فحسب للتعبير عن شيء، بل للتعبير عن نفسه أيضا". ومن ثم لا ينبغي أن ندخل في اعتبارنا فقط الصورة التي تصاغ عليها الأفكار، بل أيضا العلاقات التي توجد بين هذه الأفكار وبين حساسية المتكلم. وبعبارة أخرى يجب أن نميز في كل لغة بين ما يمدنا به تحليل التصورات وبين ما يضيف إليه المتكلم من عنده: بين العنصر المنطقي والعنصر الانفعالي٢.

ولا ينفك كلا العنصرين عن الاختلاط في كل لغة. وإذا استثنينا اللغات الاصطلاحية، واللغة العلمية منها بوجه خاص -تلك التي تعد خارج الحياة بطبعها- أمكننا أن نقول بأن التعبير عن أية فكرة لا يخلو مطلقا من لون عاطفي. والسلم الانفعالي نفسه لا يحوي نغمة واحدة تخلو من العاطفة، إذ ليس هناك إلا عواطف يختلف بعضها عن بعض.

فمن النادر جدا -عندما تتسابق في ذهننا، ونحن في صدد التعبير عن فكرة ما، عدة عبارات مختلفة- أن تكون إحدى هذه العبارات عقلية محضة وأن تعبر عن استدلال منطقي بحت أو أن تصور حقيقة أو حادثا ما في بساطته العارية من كل لباس. أرى حادثا يقع أمامي فأصبح راثيا لحال صاحبه: "آه! المسكين! " وأصادف صديقا لم أكن أتوقع لقاءه فأقول له: "أنت! هنا! ".


١ راجع خاصة مؤلفات الأستاذين بلي BELLY وسيشيه Sechehoy التي أوحت إلينا بهذا الفصل إلى حد كبير. شارل بلي: "الدراسة المنهجية لوسائل التعبير" في مجلة: "اللغات الحديثة" "Neaere sprachen" مجلد ١٩؛ "علم الأسلوب وعلم اللغة العام" رقم ٢٥، مجلد ١٢٨ "١٩١٢"، ص٨٧-١٢٦"، ورقم ٤٥ ورقم ٤٦، وسيشيه رقم ١٢٢. وانظر كذلك فسلر vossler: رقم ٢١٨. ونجد تطبيقا عمليا لقواعد الأسلوب في مؤلفات الأستاذ لنسون Lanson: " توجيهات في فن الكتابة وفن النثر".
٢ سيشيه: رقم ٩٨، ص١٨٤ وما يليها.

<<  <   >  >>