فانظر كيف نسب الكفر الخفي إلى الزهاد، لأنهم اشتغلوا بزهدهم في الأشياء، لأن الذي ليس لهم عدم، أي أن ما قدر لهم لا بد أن يكون. ولذلك يقول:" والذي لهم لا بد أن يصيبهم، فلو زهدوا فيه لما أمكنهم ".
ولذلك رآهم النابلسي معارضين للأقدار، مشغولين بزهدهم عن الله ـ تبارك وتعالى ـ. .
أحب أن أكرر هنا أن النابلسي ليس رجلًا مغمورًا جاهلًا، بل هو مقدم عند القوم، مستشهد بأقواله عند الجميع وبعضهم يعتذر عن مثل مقالاته هذه بأنه من الشطح، والشطح مغفور لهؤلاء، لأن ذلك من غلبة وجدهم وحبهم لمولاهم.
وأقول: إذا كان ثم شطح مغفور عند الله، معذور صاحبه، فهو أن تصدر كلمة أو جملة في غلبة حال كما يقولون. أما أن يؤلف رجل مئتي كتاب، كلها على هذا النحو، وذلك يستغرق آلاف الساعات والأيام، فكيف يكون التأليف والتحقيق شطحًا وسكرًا؟ فافهم أخي المسلم هذه الحقيقة فإنها سهم قاتل لهذا الباطل.
وبعد هذا الاستطراد أعود إلى السياق الأصلي، وهو أن القوم في نهاية مطافهم وصلوا إلى هدم الأديان، والتسوية بين الكفر والإيمان، بل وجعل مرتبة الزهد التي هي بداية للطريق الصوفي، ومرحلة من مراحله شركًا خفيًا بالله، لأن ذلك غيبة بالزهد عن الله تعالى.
ولعل ظانًا يظن أن هذه العقيدة الباطنية التي وصل إليها كانت عقيدة نظرية فقط، ولم يكن لها واقع عملي في حياة القوم، وهذا الظن ساذج ومريض، بل إن القوم قد مارسوا هذه العقيدة الباطنية ممارسة واقعية، وقد جاءت ممارستهم الواقعية لهذه العقيدة شيئًا صارخًا لا يكاد العقل يصدق به. ولكن ماذا نفعل والحقيقة قد أصبحت أكبر من الخيال.