مصدر للحلمية "ولا تجز هنا" في هذا الباب "بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول" ويسمى اقتصارًا. أما الثاني فبالإجماع وفي الأول وهو حذفهما معًا اقتصارًا خلاف: فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقًا كما هو ظاهر إطلاق النظم. وعن الأكثرين الجواز مطلقًا تمسكًا بنحو:{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}[النجم: ٣٥] ، أي يعلم:{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ}[الفتح: ١٢] وقولهم من يسمع يخل، وعن الأعلم الجواز في أفعال الظن دون
ــ
رأي البصرية ورأي العلمية. قال في القاموس الرؤية النظر بالعين وبالقلب. قوله:"في هذا الباب" لانعدام الفائدة بانعدامهما أو انعدام أحدهما أما في الثاني فظاهر وأما في الأول فلأن الشخص لا يخلو عن ظن أو علم بخلاف المفعول في غيره فيجوز حذفه بدليل وبلا دليل لحصول الفائدة مطلقا وينبغي أن محل امتناع الحذف إذا أريد الاخبار بحصول مطلق ظن أو علم، أما إذا أريد ظننت ظنا عجيبا أو عظيما أو نحو ذلك أو أريد إعلام السامع بتجدد الظن أو العلم أو إبهام المظنون أو المعلوم لنكتة فينبغي الجواز أفاده الروداني. ومما يجوز الحذف أيضا تقييد الفعل بظرف أو جار ومجرور نحو ظننت في الدار أو ظننت لك لحصول الفائدة حينئذٍ نص عليه في التسهيل.
قوله:"ويسمى اقتصارا" أي يسمى الحذف بلا دليل اقتصارا للاقتصار على نسبة الفعل إلى الفاعل بتنزيله منزلة اللازم في صورة حذف المفعولين وعلى أحد المفعولين لتنزيله منزلة المتعدي إلى واحد في صورة حذف أحدهما. فعلم أن الاقتصار للتنزيل المذكور ولا ينافي ذلك نص البيانيين على أن المنزل منزلة اللازم لا مفعول له لأن نظرهم إلى المعاني الحاصلة في الحال ونظر النحاة إلى الألفاظ بحسب الوضع تعديا ولزوما ووافق في المعنى البيانيين، ويحتمل أن الاقتصار لا للتنزيل بل مع ملاحظة المفعولين من غير إقامة دليل عليهما والمتجه عندي ضعف القول بالمنع على احتمال التنزيل وضعف القول بالجواز على احتمال الملاحظة وأن الأولى الجمع بين القولين بتوزيعهما على الاحتمالين فاحفظه. قوله:"أما الثاني فبالإجماع" إنما أجمع هنا واختلف فيما بعده لأن المفعول حقيقة مضمون المفعولين كقيام زيد في ظننت زيدا قائما فحذف أحدهما كحذف جزء الكلمة وحذف الكلمة بتمامها كثير بخلاف حذف جزئها. ومثله يقال في الحذف لدليل. وإنما أجمع على منع حذف أحدهما اقتصارا. واختلف في حذف أحدهما اختصارا لأن المحذوف لدليل كالمذكور ولهذا أجمع على جواز حذفهما اختصارا واختلف في حذفهما اقتصارا.
قوله:"مطلقا" أي في أفعال العلم وأفعال الظن فهو في مقابلة تفصيل الأعلم الآتي. قوله:"فهو يرى" أي ما يعتقده حقا وقد يقال كما في الروداني أن قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ}[النجم: ٣٥] ، يشعر بالمفعولين فحذفهما لدليل. قوله:"وظننتم ظن السوء" أي ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهلهم منتفيا أبدا، وظن السوء مفعول مطلق. ولي في كون الحذف هنا لغير دليل نظر لأن قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ