للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال سهل التُّسْتَريُّ (١): منْ قال لا إله إلا الله فقد بايَعَ الله، فحرامٌ عليه إذ بَايعَهُ أنْ يعصِيَهُ في شيءٍ مِن أمرِهِ، في السِّرِّ والعَلانيةِ، أو يُوالِي عدوَّه، أو يُعادِي وليَّهُ.

يا بَني الإسلام منْ عَلَّمَكُمْ … بَعْدَ إذْ عاهَدْتُمُ نَقْضَ العُهُودِ

كلُّ شَيءٍ في الهوَى مُسْتحْسَنٌ … ما خَلا الغَدْرَ وإخْلافَ الوُعُودِ

وثالثها: لِمن حَجَّ إذا استلَم الحجَرَ فإنَّه يجدَّدُ البَيْعَةَ، ويلتزِمُ الوفاءَ بالعهدِ المتقدِّم، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (٢). الحرُّ الكريمُ لا ينقُضُ العَهْدَ القديمَ.

أَحَسِبْتُمُ أنَّ الليالي غَيَّرَتْ … عقدَ الهَوَى لا كانَ مَنْ يَتَغَيَّرُ

يَفْنَى الزَّمانُ وليسَ نَنْسَى (٣) عَهْدَكُمْ … وعلى مَحَبَّتِكُم أَمُوتُ وأُحْشَرُ (٤)

إذا دعتْكَ نفسُكَ إلى نقضِ عهدِ مولاكَ فقُلْ لها: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (٧٩)} (٥).

اجتاز بعضُهم على منظورٍ مُشْتَهى، فهمَّتْ عينُه أن تمتدَّ، فصاحَ:

حَلَفْتُ بِدِينِ الحُبِّ لا خُنْتُ عَهْدَكُمْ … وذلك عَهْدٌ لو عَرَفْتَ وَثيِقُ

تاب بعضُ من تقدَّمَ، ثم نقَضَ، فهتَفَ به هاتفٌ بالليل يقول:

سأتْرُكُ ما بيني وبينَكَ واقِفًا … فإن عُدْتُ عُدْنا والوِدَادُ مُقِيمُ

تُواصِلُ قومًا لَا وفاءَ لِعَهْدِهِم (٦) … وتَتْرُكُ مِثْلِي والحِفاظُ قَدِيمُ

من تكرَّرَ منه نقضُ العهدِ لم يُوثَقْ بمعاهدتِه. دخل بعضُ السَّلفِ على مريض مكروبٍ فقال له: عاهِدِ الله على التوبةِ لعلَّه أن يُقيلَكَ صَرْعَتَكَ (٧). فقال: كنتُ كلَّما مَرِضْتُ عاهدْتُ اللّه على التَّوبةِ فيُقيلني، فلمَّا كان هذه المرة ذهبْتُ أعاهِدُ كما كنْتُ


(١) هو سهل بن عبد الله بن يونس التُّسْتَريّ، أبو محمد، الصوفي الزاهد، أحد أئمة الصوفية وعلمائهم، لم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع. توفي سنة ٢٨٣ هـ. انظر وفيات الأعيان ٢/ ٤٢٩، صفة الصفوة ٤/ ٦٤، سير أعلام النبلاء ١٣/ ٣٣٠.
(٢) سورة الأحزاب الآية ٢٣.
(٣) في آ، ع: "ينسى"، وفي ش: "يفنى".
(٤) في آ: "وأقْبرُ".
(٥) سورة يوسف الآية ٢٣.
(٦) في ب: "لوعدهم".
(٧) يقيلك صرعتك: شفاك وصفح عنك. يقال: أقال الله عثرته: صفح عنه وتجاوز.

<<  <   >  >>