للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديثٍ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مرفوعًا: "ما مِن أحدٍ يَموتُ إلَّا نَدِمَ". قالوا: وما ندامتُهُ؟ قالَ: "إنْ كانَ محسنًا نَدِمَ أنْ لا يَكونَ ازْدادَ، وإنْ كانَ مسيئًا نَدِمَ أنْ لا يَكونَ اسْتَعْتَبَ" (١).

إذا نَدِمَ المحسنُ عندَ الموتِ؛ فكيفَ يَكونُ حالُ المسيءِ؟!

غايةُ أُمنيةِ الموتى في قبورِهِم حياةُ ساعةٍ يَسْتَدْرِكونَ فيها ما فاتَهُم مِن توبةٍ وعملٍ صالحٍ، وأهلُ الدُّنيا يُفَرِّطونَ في حياتِهِم فتَذْهَبُ أعمارُهُم في الغفلةِ ضياعًا، ومنهُم مَن يَقْطَعُها بالمعاصي.

قالَ بعضُ السَّلفِ: أصْبَحْتُم في أُمنيةِ ناسٍ كثيرٍ؛ يَعْني: أن الموتى كلَّهُم يَتَمَنَّوْنَ حياةَ ساعةٍ لِيَتوبوا [فيها] ويَجْتَهِدوا في الطَّاعةِ، ولا سبيلَ لهُم إلى ذلكَ.

وقد أنْشَدَ بعضُهُم:

لَوْ قيلَ لِلْقَوْمِ مُناكُمْ (٢) طَلَبوا … حَياةَ يَوْمٍ لِيَتوبوا فَاعْلَمِ

وَيْحَكِ يا نَفْسُ ألا تَيَقُّظٌ … يَنْفَعُ قَبْلَ أنْ تَزِلَّ قَدَمي

مَضى الزَّمانُ في تَوانٍ وَهوى … فَاسْتَدْرِكي ما قَدْ بَقِيَ وَاغْتَنِمي

• الناسُ في التَّوبةِ على أقسامٍ:

* فمنهُم: مَن لا يُوَفَّقُ لتوبةٍ نصوحٍ، بل يُيَسَّرُ له عملُ السَّيِّئاتِ مِن أوَّلِ عمرِهِ إلى آخرِهِ حتَّى يَموتَ مصرًّا عليها، وهذهِ حالةُ الأشقياءِ.

• وأقبحُ مِن ذلكَ: مَن يُسِّرَ لهُ في أوَّلِ عمرِهِ عملُ الطَّاعاتِ، ثمَّ خُتِمَ لهُ بعملِ سوءٍ حتَّى ماتَ عليهِ: كما في الحديثِ الصَّحيحِ: "إنَّ أحدَكُم لَيَعْمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ، فيَسْبِقُ عليهِ الكتابُ، فيَعْمَلُ بعملِ أهلِ النَّارِ، فيَدْخُلُها" (٣). وفي الحديثِ الذي خَرَّجَهُ أهلُ "السُّنن": "إنَّ العبدَ لَيَعْمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ سبعينَ عامًا، ثمَّ يَحْضُرُهُ الموتُ، فيَجورُ في وصيَّتِهِ، فيَدْخُلُ


(١) (ضعيف جدًّا). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٦٦٠).
(٢) يعني: اذكروا مناكم ورجاءكم. وفي خ وم ون وط: "لو قيل للقوم ما مناكم"! ولا يستقيم الوزن إلَّا بحذف "ما"، والأبيات من الرجز.
(٣) رواه: البخاري (٥٩ - الخلق، ٦ - ذكر الملائكة، ٦/ ٣٠٣/ ٣٢٠٨)، ومسلم (٤٦ - القدر، ١ - كيفيّة الخلق، ٤/ ٢٠٣٦/ ٢٦٤٣)؛ من حديث ابن مسعود.

<<  <   >  >>