لا يُعْجِزُهُ منهُم أحدٌ، لا يُعْجِزُهُ هاربٌ ولا يَفوتُهُ ذاهبٌ، كما قيلَ: لا أقْدَرَ ممَّن طَلِبَتُهُ في يدِهِ، ولا أعْجَزَ ممَّن هوَ في يدِ طالبِهِ. ومع هذا؛ فكلُّ مَن طَلَبَ الأمانَ مِن عذابِهِ مِن عبابٍ أمَّنَهُ على أيِّ حالٍ كانَ إذا عَلِمَ منهُ الصِّدقَ في طلبِهِ (١).
أنْشَدَ بعضُ العارفينَ:
الأمانَ الأمانَ وِزْري ثَقيلُ … وَذُنوبي إذا عَدَدْتُ تَطولُ
أوْبَقَتْني وَأوْثَقَتْني ذُنوبي … فَتُرى لي إلى الخَلاصِ سَبيلُ
• وقولُهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٨]: فسَوَّى بينَ مَن تابَ عندَ الموتِ ومَن ماتَ مِن غيرِ توبةٍ.
والمرادُ بالتَّوبةِ عندَ الموتِ التَّوبةُ عندَ انكشافِ الغطاءِ ومعاينةِ المحتضَرِ أُمورَ الآخرةِ ومشاهدةِ الملائكةِ؛ فإنَّ الإيمانَ والتَّوبةَ وسائرَ الأعمالِ إنَّما تَنْفَعُ بالغيبِ، فإذا كُشِفَ الغطاءُ وصارَ الغيبُ شهادةً؛ لمْ يَنْفَعِ الإيمانُ ولا التَّوبةُ في تلكَ الحالِ.
ورَوى ابنُ أبي الدُّنْيا بإسنادِهِ عن عَلِيٍّ؛ قالَ: لا يَزالُ العبدُ في مهلةٍ مِن التَّوبةِ ما لمْ يَأْتِهِ ملكُ الموتِ يَقْبِضُ روحَهُ، فإذا نَزَلَ ملكُ الموتِ؛ فلا توبةَ حينئذٍ.
وبإسنادِهِ عن الثَّوْريِّ؛ قالَ: قالَ ابنُ عُمَرَ: التَّوبةُ مبسوطةٌ ما لمْ يَنْزِلْ سلطانُ الموتِ.
وعنِ الحَسَنِ؛ قالَ: التَّوبةُ معروضةٌ لابنِ آدَمَ ما لمْ بَأْخْذِ الموتُ بكظمِهِ.
وعن بكْرٍ المُزَنيِّ؛ قالَ: لا تَزالُ التَّوبةُ للعبدِ مبسوطةً ما لمْ تَأْتِهِ الرُّسلُ، فإذا عايَنَهُمُ؛ انْقَطَعَتِ المعرفةُ.
وعن أبي مِجْلَزٍ؛ قالَ: لا يَزالُ العبدُ في توبةٍ ما لم يُعايِنِ الملائكةَ.
ورَوى في "كتاب الموت" بإسنادِهِ: عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ" قالَ: إذا عايَنَ الميِّتُ الملَكَ؛ ذَهَبَتِ المعرفةُ.
وعن مجاهِدٍ نحوَهُ.
(١) فهذا - إن أنعمت فيه النظر - يدلّ على أن المصنّف لم يسلّم للحافي قالته وردّها عليه.