للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَوى أبو عُثْمانَ الصَّابونِيُّ بإسنادٍ لهُ عن رجلٍ كانَ أسيرًا ببلادِ الرُّومِ فهَرَبَ مِن بعضِ الحصونِ؛ قالَ: فكُنْتُ أسيرُ بالليلِ وأكْمُنُ بالنَّهارِ، فبينا أنا ذاتَ ليلةٍ أمْشي بينَ جبالٍ وأشجارٍ إذا أنا بحسٍّ، فراعَني ذلكَ، فنَظَرْتُ، فإذا راكبُ بعيرٍ، فازْدَدْتُ رعبًا، وذلكَ أنَّهُ لا يَكونُ ببلادِ الرُّومِ بعيرٌ. فقُلْتُ: سُبْحانَ اللهِ! في بلادِ الرُّومِ راكبُ بعيرٍ، إنَّ هذا لعجبٌ! فلمَّا انْتَهى إليَّ؛ قُلْتُ: يا عبدَ اللهِ! مَن أنتَ؟ قالَ: لا تَسْألْ. قُلْتُ: إنِّي أرى عجبًا، فأخْبِرْني. فقالَ: لا تَسْألْ. فأبَيْتُ عليهِ. فقالَ: أنا إبْليسُ، وهذا وجهي مِن عرفاتٍ، وافَقْتُهُم عشيَّةَ اليومِ اطُّلِعَ عليهِم (١) فنَزَلَتْ عليهِمُ المغفرةُ والرَّحمةُ ووُهِبَ بعضُهُم لبعضٍ، فداخَلَني الهمُّ والحزنُ والكآبةُ، وهذا وجهي إلى قُسْطَنْطينِيَّةَ أفْرَحُ بما أسْمَعُ مِن الشِّركِ باللهِ وادِّعاءِ أنَّ لهُ ولدًا. فقُلْتُ: أعوذُ باللهِ منكَ. فلمَّا قُلْتُ هذهِ الكلماتِ؛ لم أرَ أحدًا (٢).

ويَشْهَدُ لهذهِ الحكايةِ حديثُ عَبَّاسِ بنِ مِرْداسٍ الذي خَرَّجَهُ أحْمَدُ وابنُ ماجَهْ في دعاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمَّتِهِ عشيَّةَ عرفةَ ثمَّ بالمزدلفةِ، فأُجيبَ، فضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "إنَّ إبْليسَ حينَ عَلِمَ أنَّ اللهَ قد غَفَرَ لأُمَّتي واسْتَجابَ دعائي أهْوى يَحْثي التُّرابَ على رأْسِهِ ويَدْعو بالويلِ والثُّبورِ؛ فضَحِكْتُ مِن الخبيثِ مِن جزعِهِ" (٣).

ويُرْوى عن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ أنَّهُ وَقَفَ بعرفةَ في بعضِ حجَّاتِهِ، فرَأى كثرةَ النَّاسِ، فقالَ: اللهمَّ! إنْ كُنْتَ لم تَقْبَلْ منهُم أحدًا؛ فقد وَهَبْتُهُ حَجَّتي. فرَأى ربَّ العزَّةِ في منامِهِ، وقالَ لهُ: يا ابنَ المُوَفَّقِ! أتَتَسَخَّى عليَّ؟ قد غَفَرْتُ لأهلِ الموقفِ ولأمثالِهِم، وشَفَّعْتُ كلَّ واحدٍ منهُم في أهلِ بيتِهِ وذرِّيَّتِهِ وعشيرتِهِ، وأنا أهلُ التَّقوى وأهلُ المغفرةِ (٤)


(١) في خ: "سبحان الله ببلاد الروم … اطّلع الله عليهم"
(٢) بإسناد له عن رجل! فتأمّل هذا التوثيق! وأعجب من ذلك أن يستشهد له بشاهد موضوع!
(٣) (موضوع). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٦٢ - ١٦٤).
(٤) أورد أبو نعيم الأصبهاني هذا الخبر في "حلية الأولياء" (١٠/ ٣١٢) مفصّلًا، وخلاصته أنّ ابن الموفّق هذا حجّ بضعًا وخمسين حجّة فوهب ثوابها كلّها للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وأبويه، ثمّ بقيت حجّة فوهبها لمن لم يقبل الله حجّه، فرأى ربّ العزّة في نومه … إلى آخر المذكور.
لا أريد هنا أن أُشير إلى تنكّب السنّة ومخالفة هدي السلف فهذه شنشنة أعرفها من أخزم! ولا إلى ربّ العزّة الذي لا تجد واحدًا من القوم إلّا ورآه في نومه مع أنّ هذا لم يقع للصحابة ولا لتابعيهم ولا لكبار الأئمّة! =

<<  <   >  >>