للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحجِّ كل عامٍ رحمةً مِن اللهِ وتخفيفًا على عبادِهِ، فإنَّهُ جَعَلَ الحجَّ فريضةَ العمرِ لا فريضةَ كلِّ عامٍ، وإنَّما هوَ في كلِّ عامٍ فرضُ كفايةٍ، بخلافِ الصِّيامِ؛ فإنَّهُ فريضةُ كلِّ عامٍ على كلِّ مسلمٍ. فإذا كَمَلَ يومُ عرفةَ، وأعْتَقَ اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ مِن النَّارِ، اشْتَرَكَ المسلمونَ كلُّهُم في العيدِ عقيبَ ذلكَ، وشُرِعَ للجميعِ التَّقرُّبُ إليهِ بالنُّسكِ، وهوَ إراقةُ دماءِ القرابينِ. فأهلُ الموسمِ يَرْمونَ الجمرةَ، فيَشْرَعونَ في التَّحلُّلِ مِن إحرامِهِم بالحجِّ ويَقْضونَ تفثَهُم ويوفونَ نذورَهُم ويُقَرِّبونَ قرابينَهُم مِن الهدايا ثمَّ يَطوفونَ بالبيتِ العتيقِ، وأهلُ الأمصارِ يَجْتَمِعونَ على ذكرِ اللهِ وتكبيرِهِ والصَّلاةِ لهُ. قالَ مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ - وهوَ معدودٌ مِن الصَّحابةِ -: الخروجُ يومَ الفطرِ يَعْدِلُ عمرةً، والخروجُ يومَ الأضحى يَعْدِلُ حجَّهً (١). ثمَّ يَنْسِكونَ عقيبَ ذلكَ نسكَهُم ويُقَرِّبونَ قرابينَهُم بإراقةِ دماءِ ضحاياهُم، فيَكونُ ذلكَ شكرًا منهُم لهذهِ النِّعمِ. والصَّلاةُ والنَّحرُ الذي يَجْتَمعُ في عيدِ النَّحرِ أفضلُ مِن الصَّلاةِ والصَّدقةِ الذي في عيدِ الفطرِ، ولهذا أُمِرَ الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَجْعَلَ شكرَهُ لربِّهِ على إعطائِهِ الكوثرَ أنْ يُصَلِّيَ لربِّهِ ويَنْحَرَ، وقيلَ لهُ: {قُلْ إنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي للهِ رَبِّ العالَمينَ} [الأنعام: ١٦٢]. ولهذا وَرَدَ الأمرُ بتلاوةِ هذهِ الآيةِ عندَ ذبحِ الأضاحي (٢)، والأضاحي سنَّةُ إبْراهيمَ ومُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِما وسَلَّمَ، فإنَّ اللهَ شَرَعَها لإبْراهيمَ حينَ فَدى ولدَهُ الذي أمَرَهُ بذبحِهِ بذِبْحٍ عظيمٍ.

وفي حديثِ زَيْدِ بنِ أرْقَمَ: قيلَ: يا رسولَ اللهِ! ما هذهِ الأضاحي؟ قالَ: "سنَّةُ إبْراهيمَ". قيلَ لهُ: فما لَنا بها؟ قالَ: "بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ". قيلَ: فالصُّوفُ؟ قالَ: "بكلِّ شعرةٍ مِن الصُّوفِ حسنةٌ" (٣). خَرَّجَهُ ابنُ ماجَهْ وغيرُهُ.


(١) لم أقف عليه، وما أراه تصحّ نسبته إلى مخنف، فإن صحّت فليس له حكم الرفع.
(٢) رواه الحاكم (٤/ ٢٢٢) من حديث عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري بإسنادين ساقطين، فما هو بالمعتمد، والمشروع في الذبائح التسمية والتكبير لا غير.
(٣) (ضعيف جدًّا). رواه: أحمد (٤/ ٣٦٨)، وابن منيع في "المسند" (٣/ ٢٢٣ - مصباح)، وعبد بن حميد (٢٥٩)، وابن ماجه (٢١ - الأضاحي، ٣ - ثواب الأضحية، ٢/ ١٠٤٥/ ٣١٢٧)، وأبو يعلى، والعقيلي (٣/ ٤١٩، ٤/ ٣٠٧)، وابن قانع في "المعجم" (١/ ٢٢٨/ ٢٥٤)، وابن حبّان في "المجروحين" (٣/ ٥٥)، والطبراني (٥/ ١٩٧/ ٥٠٧٥)، وابن عدي (٥/ ١٩٩٣)، والحاكم (٢/ ٣٨٩)، والبيهقي في "السنن" (٩/ ٢٦١) و"الشعب" (٧٣٣٧)، والمزّي في "التهذيب" (١٤/ ٩٤)؛ من طريق سلاّم بن مسكين، عن عائذ الله بن =

<<  <   >  >>