للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذَهَبَ الشَّبابُ وجاءَ المشيبُ والكِبَرُ؛ عَجَزَ عن حملِ ذلكَ، فإنْ صابَرَ وجاهَدَ واسْتَمَرَّ؛ فربَّما هَلَكَ بدنُهُ، وإنْ قَطَعَ؛ فقد فاتَهُ أحبُّ العملِ إلى اللهِ تَعالى، وهوَ المداومةُ على العملِ.

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "اكْلَفوا مِن العملِ ما تُطيقونَ، فواللهِ؛ لا يَمَلُّ الله حتَّى تَمَلُّوا (١).

وقالَ: "أحبُّ العملِ إلى اللهِ أدومُهُ وإنْ قَلَّ" (٢).

فمَن عَمِلَ عملًا تقْوى عليهِ بدنُهُ في طولِ عمرِهِ في قوَّتِهِ وضعفِهِ؛ اسْتَقامَ سيرُهُ. ومَن حَمَلَ ما لا يُطيقُ؛ فإنَّهُ قد يَحْدُثُ لهُ مرضٌ يَمْنَعُهُ مِن العملِ بالكلِّيَّةِ وقد يَسْأمُ ويَضْجَرُ فيقْطَعُ العملَ فيَصيرُ كالمُنْبَتِّ لا أرضًا قَطَعَ ولا ظهرًا أبْقى.

• وأمَّا صيامُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن الأيَّامِ؛ أعْني: أيَّامَ الأسبوعِ (٣)؛ فكانَ يَتَحَرَّى صيامَ الاثنينِ والخميسِ.

وكذا رُوِيَ عن عائِشَةَ: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَتَحَرَّى صيامَ الاثنينِ والخميسِ (٤). خَرَّجَهُ الإمامُ أحْمَدُ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ.

وخَرَّجَ ابنُ ماجَهْ مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ؛ قالَ: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصومُ الاثنينِ والخميسَ. فقيلَ: يا رسولَ اللهِ! إنَّكَ تَصومُ الاثنينِ والخميسَ؟ فقال: "إنَّ يومَ الاثنينِ والخميسِ يَغْفِرُ [اللهُ] فيهِما لكلِّ مسلمٍ؛ إلَّا مهتجرينِ، فتقولُ: دَعوهُما حتَّى يَصْطَلِحا" (٥).

وخَرَّجَهُ الإمامُ أحْمَدُ، وعندَهُ: أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ أكثرُ ما يَصومُ الاثنينِ والخميسَ، فقيلَ لهُ، قالَ: "إنَّ الأعمالَ تُعْرَضُ كل اثنينِ وخميسٍ، فيُغْفَرُ لكلِّ مسلمٍ


(١) رواه: البخاري (٢ - الإيمان، ٣٢ - أحبّ الدين إلى الله، ١/ ١٠١/ ٤٣)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٣٠ - فضيلة العمل الدائم، ١/ ٥٤٠/ ٧٨٢)؛ من حديث عائشة.
(٢) قطعة من حديث عائشة المتّفق عليه المتقدّم تخريجه في الحاشية السابقة.
(٣) في خ: "يعني أيّام الأسبوع"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٤) (صحيح). تقدّم تفصيل القول في تخريجه (ص ٢٣٧).
(٥) (صحيح بشواهده). تقدم تفصيل القول في تخريجه (ص ٢٣٨).

<<  <   >  >>