للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِمَوْتِهِ أَوْ سَفَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ وَثُمَّ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَا لَا يُصَالُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ

(وَتُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَضِيَّةِ (بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ) أَيْ يَكُونُ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ بِهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ (أَوْ سَفَرٍ) أَيْ يَكُونُ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِلَا مِرْيَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ بِأَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ قَالُوا الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ.

(وَ) بِشَرْطِ (شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَتَغَايَرْ فَرْعَاهُمَا) يَعْنِي لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَاهِدٍ شَاهِدَانِ مُتَغَايِرَانِ بَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ) مُخَاطِبًا لِلْفَرْعِ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا) أَيْ بِأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا مَثَلًا (وَ) يَقُولُ (الْفَرْعُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا وَقَالَ) أَيْ فُلَانٌ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ، وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحَمُّلِ وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ تَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ وَهِيَ وُسْطَى الْعِبَارَاتِ وَلَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ الْآنَ فَذَلِكَ ثَمَانِ شِينَاتٍ وَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا خَمْسُ شِينَاتٍ وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَفِيهِ شِينَانِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شَيْءٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

(صَحَّ تَعْدِيلُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا صَلَحَ لِلتَّزْكِيَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصْلُحْ لِلشَّهَادَةِ لَا يُقَالُ هُوَ مُتَّهَمٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ نَفْسِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَعْدِيلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَدْلُ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ (كَأَحَدِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ (الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ) يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ فِيهَا حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ إذْ قَالَ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ بَدَلًا لِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الِاثْنَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ) وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْكَمَالُ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ كَيْفَ مَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفَرْعُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى تُقْبَلُ وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُمَا بِلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَهُ لَا إلَّا بِرِضَاهُ وَإِلَّا قُطِعَ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُمَا فَقَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) الْمُرَادُ بِالْعَدَدِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ الْفَرْعُ اشْهَدْ. . . إلَخْ) مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إذْ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَإِنْ حَكَى اخْتِيَارَ غَيْرِهِ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ اخْتِيَارِ الْفَقِيهِ الْآتِي ذِكْرُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى خَمْسِ شِينَاتٍ حَيْثُ حَكَاهُ وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ ثُمَّ قَالَ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَأَقْصَرُ مِنْهُ. . . إلَخْ) مِنْ الْأَقَلِّ سِتُّ شِينَاتٍ وَأَرْبَعُ شِينَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَثَلَاثُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ كَأَحَدِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>