آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ (وَسُنَّتُهَا) أَيْ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ (فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ وَفِي الْحَضَرِ اُسْتُحْسِنَ فِي السَّفَرِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ وَالْمَغْرِبِ قِصَارُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ إلَى الْبُرُوجِ وَمِنْهَا أَوْسَاطٌ إلَى لَمْ يَكُنْ وَمِنْهَا قِصَارٌ إلَى الْآخِرِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الرُّكُوعُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَيْ مُنْحَطًّا؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) لَا يُنْدَبُ التَّفْرِيجُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بَاسِطًا ظَهْرَهُ) حَتَّى لَوْ صُبَّ الْمَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ لَاسْتَقَرَّ (لَا رَافِعًا رَأْسَهُ وَلَا مُنَكِّسًا وَيُطَمْئِنُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ (مُسَبِّحًا) أَيْ قَائِلًا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا هِيَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَمَنْ قَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّهَا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلُّ مَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
مُطْلَقًا لَا الْوَاجِبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) أَقُولُ أَطْلَقَ السُّنَّةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَمَا مَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ السُّنَّةُ لِثُبُوتِهَا بِهَا وَإِلَّا فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ سَفَرًا وَحَضَرًا.
(قَوْلُهُ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ كَمَا فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ وَانْشَقَّتْ) لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْكَافِي بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ نَحْوُ الْبُرُوجِ يَعْنِي وَمَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِيُنَاسِبَ التَّخْفِيفَ فِي سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ. وَأَمَّا انْشَقَّتْ فَهِيَ مِنْ الطِّوَالِ فَلَا تَخْفِيفَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ عَلَى مَا قِيلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) قَسِيمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَأَطْلَقَ مَا يَقْرَأُ فَشَمِلَ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ مَثَّلَ فِي الْكَافِي الضَّرُورَةَ لِلْمُسَافِرِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ لِصٍّ وَمَثَّلَ لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَأَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَفِي الْحَضَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ بِقُدْرَةِ مَا لَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ اهـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَخْتَصُّ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ بِالسُّورَةِ فَقَطْ بَلْ كَذَلِكَ الْفَاتِحَةُ كَمَا إذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ فَقَرَأَ آيَةً مَثَلًا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ) أَقُولُ هَذَا عَلَى مَا قِيلَ هُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُجُرَاتِ، وَقِيلَ مِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ (ق) كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ إلَى الْبُرُوجِ) أَقُولُ، وَقِيلَ إلَى عَبَسَ (قَوْلُهُ وَأَوْسَاطُهُ إلَى لَمْ يَكُنْ) أَقُولُ، وَقِيلَ أَوْسَاطُهُ مِنْ كُوِّرَتْ إلَى الضُّحَى وَالْبَاقِي قِصَارُهُ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(تَنْبِيهٌ) : الْغَايَةُ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْبُرُوجُ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا الطِّوَالِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَى الْبُرُوجَ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الطَّارِقِ» . اهـ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الرُّكُوعُ) أَقُولُ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ.
وَفِي الْحَاوِي فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَقُولُ، كَذَا فِي الْوِقَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَارِنَ التَّكْبِيرَ ابْتِدَاءُ الِانْحِطَاطِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُقَارِنٌ لِلِانْحِطَاطِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرَ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ الْقُدُورِيَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ الْمُحْتَمِلُ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَهْوِي وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ قَالُوا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِئَلَّا تَخْلُوَ حَالَةُ الِانْحِنَاءِ عَنْ الذِّكْرِ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَقُولُ وَيَكُونُ نَاصِبًا سَاقَيْهِ، وَإِحْنَاؤُهُمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ.
(قَوْلُهُ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» ) أَقُولُ أَيْ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَالُهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحْمَلُ لِلسُّنَّةِ لَا اللُّغَوِيُّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ تَوَاضُعًا وَتَذَلُّلًا نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعَظَمَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ التَّسَفُّلِ نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعُلُوُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِاقْتِدَارُ لَا الْعُلُوُّ فِي الْمَكَانِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.