وَيَقُولَ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
ــ
[مغني المحتاج]
حِينَ قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: ٣٧] إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْعُلْيَا كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَضِيَّتُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك، فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ. وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَمَاشِيًا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ وَلَمْ يَخَفْ نَجَاسَةَ رِجْلَهُ، وَدُخُولُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ لَيْلًا أَفْضَلُ، وَأَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ بِخُشُوعٍ مُتَضَرِّعًا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُسْلِمًا لِأَمْرِك. أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك، وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك، وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَك (وَ) أَنْ (يَقُولَ) دَاخِلُهَا (إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ وَالدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَى الْبَيْتَ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ وَصَلَ مَحِلَّ رُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ رَافِعًا يَدَيْهِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) هُوَ التَّرَفُّعُ وَالْإِعْلَاءُ (وَتَعْظِيمًا) هُوَ التَّبْجِيلُ (وَتَكْرِيمًا) هُوَ التَّفْضِيلُ (وَمَهَابَةً) هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ (وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَكَرِّمْهُ بَدَلَ وَعَظِّمْهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ (وَمِنْكَ السَّلَامُ) أَيْ ابْتَدَأَ مِنْكَ، وَمَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ (فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ (ثُمَّ يَدْخُلُ) عَقِبَ ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) أَحَدِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ الْبَابِ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْبَقُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute