للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مهور الحور طول التهجّد، وهو حاصل في رمضان أكثر من غيره. كان بعض الصالحين كثير التهجد والصيام، فصلى ليلة في المسجد ودعا فغلبته عيناه، فرأى في منامه جماعة علم أنّهم ليسوا من الآدميين، بأيديهم أطباق عليها أرغفة ببياض الثلج، فوق كلّ رغيف درّ أمثال الرّمّان، فقالوا: كل، فقال: إنّي أريد الصّوم، قالوا له: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل، قال: فأكلت، وجعلت آخذ ذلك الدّرّ لأحتمله. فقالوا له: دعه نغرسه لك شجرا ينبت لك خيرا من هذا. قال: أين؟ قالوا: في دار لا تخرب، وثمر لا يتغيّر، وملك لا ينقطع، وثياب لا تبلى. فيها رضوى، وعينا، وقرّة عين، أزواج رضيات مرضيات راضيات، لا يغرن ولا يغرن؛ فعليك بالانكماش فيما أنت، فإنما هي غفوة حتى ترتحل، فتنزل الدار، فما مكث بعد هذه الرؤيا إلاّ جمعتين حتّى توفي، فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدّثهم برؤياه وهو يقول:

ألا تعجب من شجر غرس لي في يوم حدثتك وقد حمل؟! فقال له: ما حمل؟ قال: لا تسأل، لا يقدر أحد على صفته. لم ير مثل الكريم إذا حلّ به مطيع.

يا قوم، ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن؟ ألا راغب فيما أعدّه الله للطائعين في الجنان؟ ألا طالب لما أخبر به من النّعيم المقيم، مع أنّه ليس الخبر كالعيان؟

من يرد ملك الجنان … فليدع عنه التّواني

وليقم في ظلمة ال‍ … ليل إلى نور القران

وليصل صوما بصوم … إنّ هذا العيش فاني

إنّما العيش جوار الله … في دار الأمان

الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عمّا سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا. فهذا عيد فطره يوم لقاء ربّه وفرحه برؤيته.

<<  <   >  >>