للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: دَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ

وَقَدْ قَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو يُوسُفَ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُزَنِيُّ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَكَى ذَلِكَ الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ ابْنَ نَصْرٍ١ يَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا.

وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُ مَالِكٍ عَلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ٢ قَالَ: فَقَرَنَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إِجْمَاعًا، فَكَذَلِكَ الْخَيْلُ.

وَأَنْكَرَ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: إِنَّ الِاقْتِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاقْتِرَانَ فِي الْحُكْمِ.

وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ "لَهَا"* بِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ.

وأجاب الجمهور: بأن الشركة إنما تكن فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ النَّاقِصَةِ، الْمُحْتَاجَةِ إِلَى مَا تَتِمُّ بِهِ، فَإِذَا تَمَّتْ بِنَفْسِهَا فَلَا مُشَارَكَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} ٣ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْأُولَى، وَلَا تشاركها في الرسالة، ونحو ذلك كثير من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ كَلَامٍ تَامٍّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِحُكْمِهِ، وَلَا يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِيهِ، فَمَنِ ادَّعَى خِلَافَ هَذَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَلِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَلَا نِزَاعَ فِيمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلِاقْتِرَانِ، بَلْ لِلدَّلِيلِ الْخَارِجِيِّ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ نَاقِصًا، بِأَنْ لَا يُذْكَرَ خَبَرُهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وفلانة، فلا خلاف في المشاركة، ومثله عطفت الْمُفْرَدَاتِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي الْعِلَّةِ، فالتشارك في الحكم إنما كان لأجلها، لا لأجل الاقتران.


* في "أ": إما

<<  <  ج: ص:  >  >>