نَفْيَهَا، وَنَفْيُهَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الذَّاتِ، وَكَانَ نَفْيُ الْكَمَالِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الصِّحَّةِ، فَكَانَ مُجْمَلًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَدْفُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ.
الْخَامِسُ:
لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" ١ مِمَّا يَنْفِي فِيهِ صِفَةً، وَالْمُرَادُ نَفْيُ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي مِثْلِهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَفْيُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَرَفْعُ الْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ، رَفَعْتُ عَنْكَ الْخَطَأَ، كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، أَنِّي لَا أُؤَاخِذُكَ بِهِ، وَلَا أُعَاقِبُكَ عَلَيْهِ، فَلَا إِجْمَالَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: قَضِيَّةُ اللَّفْظِ رَفْعُ نَفْسِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ حُكْمِهِ، لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلِ الْحُكْمُ الَّذِي عُلِمَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَهُوَ رَفْعُ الْإِثْمِ فَلَيْسَ بِعَامٍّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، مِنَ الضَّمَانِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ رَفْعُ نَفْسِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَقَدْ وَقَعَا.
وَقَدْ حَكَى شَارِحُ "الْمَحْصُولِ" فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُجْمَلٌ.
وَالثَّانِي: الْحَمْلُ عَلَى رَفْعِ الْعِقَابِ آجِلًا، وَالْإِثْمِ عَاجِلًا، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ.
وَالثَّالِثُ: رَفْعُ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ".
وَمِمَّنْ حَكَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْمَذَاهِبِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي "الْمُلَخَّصِ"، وَنَسَبَ الثَّالِثَ إِلَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَاخْتَارَ هُوَ الثَّانِي.
وَالْحَقُّ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِلْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.
السَّادِسُ:
إِذَا دَارَ لَفْظُ الشَّارِعِ بَيْنَ مَدْلُولَيْنِ: إِنْ حُمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْآخَرِ أَفَادَ مَعْنَيَيْنِ وَلَا ظُهُورَ لَهُ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ دَارَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ الصَّفِّيُّ الْهِنْدِيُّ: ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي إِفَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ هَمَّا أَحَدُ مَدْلُولَيْهِ.
وَذَهَبَ الْأَقَلُّونَ إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ، وَبِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.
وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ الْآمِدِيُّ، لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ، وَالْهِنْدِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَيَيْنِ، فإنه
١ تقديم تخريجه في الصفحة ١/ ٣٢٧.