للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَأَمَّلْ حِكَايَةَ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ١ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ شَهْوَةَ النِّسَاءِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَأَمْسَكَ عَنْهُ٢؛ فَرُفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْحَجَرِ.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّ طَالِبَ الْمَخْرَجِ مِنْ وَجْهِهِ طَالِبٌ لِمَا ضَمِنَ لَهُ الشَّارِعُ النُّجْحَ فِيهِ، وَطَالِبَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ قَاصِدٌ لِتَعَدِّي طَرِيقِ الْمَخْرَجِ؛ فَكَانَ قَاصِدًا لِضِدِّ مَا طُلِبَ، مِنْ حَيْثُ صَدَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى مِنْ قِبَلِ ضِدِّ الْمَقْصُودِ إِلَّا ضِدُّ الْمَقْصُودِ؛ فَهُوَ إِذًا طَالِبٌ لِعَدَمِ الْمَخْرَجِ، وَهَذَا مُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورُ فِيهَا الِاسْتِهْزَاءُ وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ؛ كَقَوْلِهِ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] .


١ اسمه طيفور بن عيسى، شيخ الصوفية، له نبأ عجيب وحال غريب، وهو من كبار مشايخ "الرسالة"، وما أحلى قوله: "لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحفظ حدود الشريعة".
وقد نقلوا عن أبي يزيد أشياء الشأن في صحتها عنه؛ منها: "سبحاني"، "وما في الجبة إلا الله"، "أما النار لأستندن إليها غدا، وأقول: اجعلني لأهلها فداء، أو لأبلغنها"، "ما الجنة إلا لعبة صبيان"، ومن الناس من يصحح هذا عنه، ويقول: قاله في حال سكره، ونتبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة، ومات أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين، قاله الذهبي في "الميزان" "٢/ ٣٤٦-٣٤٧".
وانظر لزاما: "البدر الطالع" للشوكاني "٢/ ٣٧ وما بعدها".
٢ كذلك يلزم الصوفي أن يزن خواطره وأعماله بميزان الشريعة؛ كما قال أبو سليمان الداراني: "تعرض علي النكتة من نكت القوم؛ فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل: الكتاب والسنة"، وقال الإمام الجنيد: "مذهبنا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث؛ لا يقتدى به في طريقنا هذا"؛ فإلى أي كتاب أم آية سنة يستند بعض الخارجين في مظاهر الصوفية حيث يوالون من حاد الله ورسوله، ويحثون أتباعهم الذين انخدعوا لهم بالله أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الباطل بعد أن اشتراها الله لتبذل في سبيل طاعته ورضوانه؟! "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>