للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ -الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافٌ١ - نَاشِئٌ عَنِ الْهَوَى الْمُضِلِّ٢، لَا عَنْ تَحَرِّي قَصْدِ الشَّارِعِ بِاتِّبَاعِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الصَّادِرُ عَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَإِذَا دَخَلَ الْهَوَى أَدَّى إِلَى اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ حِرْصًا عَلَى الْغَلَبَةِ وَالظُّهُورِ بِإِقَامَةِ الْعُذْرِ فِي الْخِلَافِ، وَأَدَّى إِلَى الْفُرْقَةِ وَالتَّقَاطُعِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، لِاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ وَعَدَمِ اتِّفَاقِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ الشَّرْعُ بِحَسْمِ مَادَّةِ الْهَوَى بِإِطْلَاقٍ٣، وَإِذَا صَارَ الْهَوَى بَعْضَ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ لَمْ يُنْتَجْ إِلَّا مَا فِيهِ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَذَلِكَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ، وَمُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَيْسَتْ مِنَ الشَّرْعِ فِي شَيْءٍ، فَاتِّبَاعُ الْهَوَى مِنْ حَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلشَّرْعِ، ضَلَالٌ فِي الشَّرْعِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْبِدَعُ ضَلَالَاتٍ، وَجَاءَ: "إِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" ٤؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُخْطِئٌ مِنْ حَيْثُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مُصِيبٌ، وَدُخُولُ الْأَهْوَاءِ فِي الْأَعْمَالِ خَفِيٌّ٥، فَأَقْوَالُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فِي الْخِلَافِ الْمُقَرَّرِ فِي الشَّرْعِ، فَلَا خِلَافَ٦ حِينَئِذٍ فِي مَسَائِلِ الشَّرْعِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اعْتَدُّوا بِهَا فِي الْخِلَافِ الشَّرْعِيِّ، وَنَقَلُوا أَقْوَالَهُمْ فِي عِلْمَيِ الْأُصُولِ، وفرعوا عليها الفروع، واعتبروهم في


١ "استدراك٢".
٢ ذكر نحوه في "الاعتصام"، في "الباب التاسع: في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين، ٢/ ٦٨٣ وما بعدها -ط ابن عفان"، وكذا في المسألة الثامنة من الجزء الثاني "٢/ ٧٣٧".
٣ بعدها في "ط": "فاتباعه مخالفة للشرع بإطلاق".
٤ مضى تخريجه.
٥ قد لا يشعر به صاحبه، فيتوهم أنه مصيب في اجتهاده الذي بعض مقدماته مبني على الهوى. "د".
٦ أي: يلزم أن نخرج من الشريعة جميع الأقوال التي دخلها الهوى باتباع المتشابه، فلا تحسب منها، ولا يقال بالنسبة لها: إن هناك خلافًا. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>