للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

مِنَ الْخِلَافِ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنَ الْأَقْوَالِ خَطَأً مُخَالِفًا لِمَقْطُوعٍ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ ظَاهِرُهُ الْخِلَافَ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَتَجِدُ الْمُفَسِّرِينَ يَنْقُلُونَ عَنِ السَّلَفِ فِي مَعَانِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً فِي الظَّاهِرِ، فَإِذَا اعْتَبَرْتَهَا وَجَدْتَهَا تَتَلَاقَى١ عَلَى الْعِبَارَةِ كَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأَقْوَالِ إِذَا أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهَا وَالْقَوْلُ بِجَمِيعِهَا مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ بِمَقْصِدِ الْقَائِلِ، فَلَا يَصِحُّ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهَا عَنْهُ، وَهَكَذَا يُتَّفَقُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ وَكَلَامِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا يَجِبُ تَحْقِيقُهُ، فَإِنَّ نَقْلَ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ خَطَأٌ، كَمَا أَنَّ نَقْلَ الْوِفَاقِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا يَصِحُّ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلِنَقْلِ الْخِلَافِ هنا٢ أسباب:


١ أي: يمكن التعبير عنها بعبارة واحدة كما هو شأن المعنى الواحد. "د".
قلت: انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٦/ ٥٨، ٣٩٠-٣٩١ و١٣/ ٣٣٣، ٣٤٠، ٣٨١-٣٨٣ و١٩/ ١٣٩-١٤٠"، و"توجيه النظر" "١/ ٤٤ - ط المحققة"، وفيه تفصيل لفائدة مثل هذا الاختلاف من رسوخ المسألة في النفس ووضوح أمرها ما لا يكون في العبارة الواحدة، على أن بعض العبارات ربما كان فيها شيء من الإبهام أو الإيهام، فيزول ذلك بغيرها، وقد يكون بعضها أقرب إلى فهم بعض الناظرين، فكثيرًا ما تعرض عبارتان متحدتان المعنى لاثنين، تكون إحداهما أقرب إلى فهم أحدهما، والأخرى أقرب إلى فهم الآخر، وهذا مشاهد بالعيان.
٢ أي: لنقل الخلاف في الضرب الثاني الذي ليس في الحقيقة بخلاف أسباب أوقعت الناقلين في نقله خلافًا، فالعبارة جيدة لا تحتاج إلى زيادة لفظ كما قيل. "د".
قلت: وهو ما رد على ما قاله "ف": "لعله له أسباب".

<<  <  ج: ص:  >  >>