للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرُ صَحِيحٍ، كَمَا أَنَّا إِذَا حَصَّلْنَا مِنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ مَثَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ مَعْنَى الْحَيَوَانِيَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُوجَدَ إِنْسَانٌ إِلَّا وَهُوَ حَيَوَانٌ؛ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيِّ حُكْمٌ قَطْعِيٌّ لَا يَتَخَلَّفُ، وُجِدَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْحُكْمِ بِهَذَا الْكُلِّىِّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا كَذَلِكَ، فَإِذَا فُرِضَتِ الْمُخَالَفَةُ فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ؛ فَلَيْسَ بِجُزْئِيٍّ لَهُ كَالتَّمَاثِيلِ وَأَشْبَاهِهَا، فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا وَجَدْنَا أَنَّ الْحِفْظَ عَلَى الدِّينِ أَوِ النَّفْسِ أَوِ النَّسْلِ١ أَوِ الْمَالِ أَوِ الْعَقْلِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ مُعْتَبَرٌ٢ شَرْعًا، وَوَجَدْنَا ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِقْرَاءِ جُزْئِيَّاتِ الْأَدِلَّةِ؛ حَصَلَ لَنَا الْقَطْعُ بِحِفْظِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ حَيْثُمَا وَجَدْنَاهُ؛ فَنَحْكُمُ بِهِ عَلَى كُلِّ جُزْئِيٍّ فُرِضَ عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوِزَانِ، لَا يُخَالِفُهُ عَلَى حَالٍ؛ إِذْ لَا يُوجَدُ بِخِلَافِ مَا وُضِعَ، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا ٣ كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: ٨٢] ؛ فَمَا فَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْجُزْئِيِّ بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْكُلِّيِّ؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا فِي التَّفْصِيلِ؛ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إِنْ عُلِمَ أَنَّ الْحِفْظَ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ مُعْتَبَرٌ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ بِجِهَةِ الْحِفْظِ الْمُعَيَّنَةِ؛ فَإِنَّ لِلْحِفْظِ وُجُوهًا قَدْ يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَقَدْ لَا يُدْرِكُهَا، وَإِذَا أَدْرَكَهَا؛ فَقَدْ يُدْرِكُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ، أَوْ زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، أَوْ عَادَةٍ دُونَ عَادَةٍ؛ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ خَرْمًا لِلْقَاعِدَةِ٤ نَفْسِهَا، كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ؛ لَمْ يَنْسَدَّ بَابُ الْقَتْلِ بالقصاص، إذا اقتصر


١ في الأصل: "النسب".
٢ في الأصل و"ف" و"م" و"ط": "معتبرا".
٣ بحيث تكون الأشياء يجمعها كلي واحد، وتكون من وادٍ واحد، ومع ذلك تتعارض أحكامها وتتنافى، وذلك غير واقع في الشريعة قطعًا. "د".
٤ هكذا في "د" فقط، وفي غيرها: "للعادة"، وقال: "ف": "لعله للقاعدة"، وفي "ط": "الإطلاق وهو إما للقاعدة ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>