للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شفاعة العبد المأمور الذي يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له، ويقول اشفع في فلان، ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه، وهو الذين ارتضى الله سبحانه قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقال تعالى {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} فأخبر أنه لا تحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضى قول المشفوع له، واذنه للشافع، فأما المشرك فانه لا يرضاه ولا يرضى قوله فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه، فانه سبحانه علقها بأمرين: رضاه عن المشفوع له، واذنه للشافع فمتى لم يوجد مجوع الأمرين لم توجد الشفاعة.

وسر ذلك أن الأمر كله لله وحده، فليس لأحد معه من الامر شيء، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده هم الرسل والملائكة المقربون، وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول ولا يتقدمون بين يديه، ولا يفعلون شيئاً الا من بعد اذنه لهم، ولا سيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيدة بأمره، واذنه، فاذا أشركهم به المشرك واتخذهم شفعاء من دونه ظناً منه أنه اذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه، وما يجب له وما يمتنع عليم فان هذا محال ممتنع يشبه قياس الرب سبحانه على الملوك والكبراء حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج.

وبهذا القياس الفاسد عبد ت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي، والفرق بينهما هو الفرق بين الخالق والمخلوق، والرب والمربوب، والسيد والعبد، والمالك والملوك والغني والفقير، الذي لا حاجة به إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره، فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم، فان قيام مصالحهم بهم وهم أعوانهم، وأنصارهم الذين قيام الملوك والكبراء بهم، ولولاهم لما انبسطت أيديهم والسنتهم في الناس فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم وان لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع، لأنهم يخافون أن يردوا شفاعتهم فتنقص طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم فلا يجدون بداً من قبول شفاعتهمعلى الكره والرضاء، فأما الذي غناه من لوازم ذاته وكل ما سواه فقير إليه لذاته وكل من في السموات والأرض عبيد له مقهورون لقهره مصرفون بمشيئته لو أهلكهم جميعاً لم ينقص من عزه، وسلطانه وملكه وربوبيته والهيته مثقال ذرة قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وقال في سيدة آي القرآن أية الكرسي: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} وقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فأخبر ان ملكه السموات والأرض. يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وان أحداً لا يشفع عنده الا باذنه، فانه ليس بشريك بل مملوك محض بخلاف شفاعة أهل الدينا بعضهم عند بعض.

فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله سبحانه في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يفعلها بعضهم مع بعض، ولهذا يطلق نفيها تارة بناء على أنها هي المعرفة

<<  <   >  >>