لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً} الآية قالوا هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم طال عليهم الامد فاتخذوا تماثيلهم أصناماً، فالعكوف على القبور، والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها، هو أصل الشرك وعبادة الاوثان، ولهذا اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء الصالحين، فانه لا يتمسح به ولا يقبله، وليس في الدنيا ما شرع تقبيله الا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله لأعلم حجر لا تضر ولا تنفع ولو أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، ولهذا يسن أن يقبل الرجل ويستلم ركني البيت الذين يليان الحجر ولا جدران البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين انتهى.
وقال رحمه الاله في الرد على ابن البكري بعد كلام له سبق: لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق، ودعاءه سبب في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، ومن الذي قال إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر سواء كان نبياً أو غير نبي كان ذلك سبباً في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به، ومن الذي يفعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمتين إحداهما أن هذه أسباب لحصول المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله والثانية أن هذه الأسباب مشروعة لا يحرم فعلها فإنه ليس كلما كان سبباً كونياً يجوز تعاطيه -إلى أن قال:
وهذا المقام يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقاً وأمرا، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية على أن الله شرع لخلقه أن يسألوا ميتاً أو غائباً وأن يستغيثوا به سواء كان ذلك عند قبره أو لم يكن عند قبره، بل نقول سؤال الميت أو الغائب نبياً كان أو غير نبي من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وهذا مما يعلم بالاصطرار من دين المسلمين، فان أحداً منهم ما كان يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من المؤتى والغائبين، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا بغيره من الانبياء الا عند قبورهم، ولا اذا بعدوا عنها بل، ولا أقسم بمخلوق على الله أصلاً، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الانبياء، ولا قبور غير الانبياء ولا الصلاة عندها.
وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه وذكروا ان هذا من البدع التي لم يفعلها السلف، وأما ما يروى عن بعضهم أنه قال: قبر معروف الترياق المجرب وقول بعضهم: فلان يدعي عند قبره وقول بعض الشيوخ: إذا كانت لك حاجة فاستعثت بي أو قال استغث عند قبري ونحو ذلك فان هذا قد وقع فيه كثير من المتأخرين وأتباعهم، ولكن هذه الأمور كلها بدع محدثة في الاسلام بعد القرون المفضلة.