للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس؛ لأن هؤلاء عندما لا يحصلون على رغباتهم يلومون أولئك ويمنون عليهم, ولهذا كله قد منع الإسلام اتخاذ الأخلاق مآرب شخصية ووسائل تجارية، فقال تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} ١, ووعد بمكافأة الذين لا يبتغون من وراء أعمالهم الخيرة المقابل أو المن فقال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ٢.

ومتى أردنا تقويم الأخلاقين الفردية والاجتماعية وجدنا أن الثانية أكثر التصاقا بالتفكير الأخلاقي من الأولى، من حيث المفهوم ومن حيث الغاية أيضا ذلك أن المقصود من الأولى خير الفرد في الدرجة الأولى بخلاف الثانية إذ المقصود منه خير المجموع في الدرجة الأولى، كما أن الأولى مهما كانت غايتها خيرة فإنها أكثر تعرضا للتهمة بالأنانية، ثم إن خير المجموع أفضل من خير الفرد بصفة عامة؛ لأن الفرد وخيره يعتبر قيمة واحدة بالنسبة إلى الجماعة التي هي مجموع قيم الأفراد ولهذا فإن الثانية ينبغي أن ترجح منطقيا في التنظيم الأخلاقي للحياة الإنسانية وإن كان لا يقتضي ذلك بصفة عامة إهدار قيمة الفرد في سبيل خير المجموع، وجعله مجرد وسيلة في يد الجماعة لتحقيق النفع لها؟

وينبغي أن نفرق هنا بين حالتين: حالة الضرورة وحالة الحرية، فإذا اقتضى الأمر في الحالة الأولى إهدار قيمة الفرد أو مصلحته من أجل إنقاذ قيمة الجماعة ومصالحها فلا مانع من ذلك بل هو واجب ولهذا يجب التضحية بالنفس في سبيل الدفاع عن الدين والوطن ضد الاعتداء الخارجي أو الداخلي ويجب ترجيح مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد إذا كانت مصلحته تعوق تحقيق مصلحة الجماعة.


١ البقرة: ٢٦٤.
٢ البقرة: ٢٦٢.

<<  <   >  >>