للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كان ينبغي على الراغب في الخير والمتحري للحق أن يترك قول أبي حنيفة هذا ويعرض عنه، اتباعاً لأبي حنيفة في قوله المتقدم:"إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي".

بل قد ورد في بعض الروايات عن أبي حنيفة ما يشعر أنه رجع عن قوله هذا وتركه تسليماً منه بما جاء في النصوص الصريحة المخالفة لقوله.

فقد روى ابن عبد البر في التمهيد بسنده إلى حماد بن زيد قال كلمت أبا حنيفة في الإرجاء فجعك يقول وأقول.

ثم روى له حماد حديث: "أي الإسلام أفضل؟ "إلى أخره وقال له: ألا تراه يقول: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان، قال: فسكت أبو حنيفة، فقال بعض أصحابه: ألا تجيبه يا أبا حنيفة؟ قال: لا أجيبه وهو يحدثني بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم١.

قلت: وهذا هو موقف الأئمة جميعهم من النصوص، أبي حنيفة وغيره، القبول والرضى والتسليم التام، ولعل في هذه القصة ما يدل على تراجع الإمام أبي حنيفة رحمه الله عما قال.

فليترك قوله هذا المخالف للنصوص، والذي يحتمل أنه قد رجع عنه، وليتمسك بما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهذا الذي يدعو إليه أبو حنيفة وغيره من الأئمة يرحمهم الله.

ومع هذا لم يفتأ أقوام من تعصب مقيت وغلو مفرط لقول أبي حنيفة هذا، بدت آثاره في جوانب مختلفة وفي مواقف متعددة، وهي بحق تدعو


١ التمهيد (٩/٢٤٧) ونقل القصة ابن أبي العز في شرح الطحاوية (٢/ ٤٩٤) حكاية عن الطحاوي رحمه الله.

<<  <   >  >>