للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإمّا مختلفان، والحسى هو المستعار منه، نحو: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (١)؛ فإنّ المستعار منه كسر الزجاجة، وهو حسىّ، والمستعار له التبليغ، والجامع التأثير؛ وهما عقليان، ...

ــ

وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢) فالمستعار منه القدوم، والمستعار له الأخذ فى الجزاء بعد

الإمهال، والجامع وقوع المدة فى البين. وفيه نظر، لأن قدوم المسافر حسى، وكون قدومه بعد مدة لا ينفى أن يكون حسيا بقيد عقلى، وكذلك مثل بقوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣) استعير نفرغ لنجازى، وهما عقليان، وقد يقال: الفراغ من شغل البدن حسى (قوله: وإما مختلفان) إشارة إلى القسم الخامس، وهو استعارة محسوس لمعقول، كقوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فإن المستعار منه كسر الزجاجة وهو حسى. كذا قال المصنف، وفى قوله: إن الصدع كسر الزجاجة نظر، فإن الصدع فى اللغة هو الشق، سواء أكان للزجاجة أم غيرها، والمستعار له التبليغ، والجامع التأثير وهما عقليان، كأنه قال: أبن الأمر إبانة لا تنمحى، كما لا يلتئم صدع الزجاجة، كذا قالوه، وفيه نظر، لأن التبليغ حسى يدرك بحاسة السمع فهما على هذه حسيان، ولو أن المصنف قال: المستعار له إظهار الدين لكان أقرب، فإن الإظهار قد يكون بطريق حسى، أو بطريق عقلى. قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر أى أظهر دينك، ثم إن الآية لم يرد بها مطلق التبليغ، بل التبليغ جهارا، ومطلق التبليغ كان واقعا قبل نزول الآية، والتأثير فى الزجاجة حسى، وفى التبليغ عقلى، فالجامع بعضه حسى، وبعضه عقلى. والسكاكى أخذ فى التبليغ قيد بذل الإمكان وهو قيد عقلى، فهو أقرب من كلام المصنف.

ومنه قوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ (٤) أى جعلت كالقبة المضروبة عليهم، أو ملصقة بهم، حتى أنها صارت منهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه، فالمستعار منه: إما ضرب القبة على الشخص، أو ضرب الطين على الحائط، والمستعار له حالهم مع الذلة، والجامع الإحاطة أو اللزوم، وهما عقليان، وقد يعترض على هذا بأن بعض أهل اللغة وهو صاحب إيراد المقاييس ذكر أن الصدع الإظهار فعلى هذا يكون" اصدع" فى الآية الكريمة حقيقة.


(١) سورة الحجر: ٩٤.
(٢) سورة الفرقان: ٢٣.
(٣) سورة الرحمن: ٣١.
(٤) سورة البقرة: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>