للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن لم يحسن دخول شئ منها، إلا بتغيير لصورة الكلام كان إطلاقه أقرب، وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به، كقولك: زيد بدر يسكن الأرض، وشمس لا تغيب، وقوله:

شمس تألّق، والفراق غروبها ... عنّا، وبدر والكسوف صدود

فإنه لا يحسن أن يدخل الكاف فى شئ من ذلك إلا بتغيير صورة اللفظ، كقولك:

هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض، وكالشمس إلا أنه لا يغيب.

(قلت): انظر كيف جعل إطلاق الاستعارة على هذا القسم قريبا، مع أن السامع لا يمكنه صرفه إلى حقيقته، وهو موافق لما اخترناه، غير أن فيما قاله من أن دخول أداة التشبيه فى شئ من ذلك، لا يمكن إلا بتغيير صورة اللفظ، نظرا لجواز أن يقال: هو كبدر يسكن الأرض، ويكون المشبه به خياليا لا حقيقيا، كما تقدم فى تشبيه فحم فيه جمر، ببحر من مسك موجه الذهب. ثم قال: وقد يكون فى الصفات والصلات التى تجئ فى هذا النوع ما يحيل تقدير أداة التشبيه معه، فعرف إطلاقه أكثر، كقول أبى الطيب:

أسد دم الأسد الهزبر خضابه ... موت فريص الموت منه يرعد

فإنه لا يحسن أن يقال: هو كالأسد والموت؛ لأن تشبيهه بجنس الأسد دليل أنه دونه، أو مثله، وجعل دم الأسد الذى هو أقوى الجنس خضاب يده، دليل أنه فوقه.

(قلت): إحالة دخول الأداة هنا كيف تجتمع مع القول بقرب إطلاق الاستعارة، وينبغى أن يكون موجبا لإطلاق الاستعارة، ومحيلا لكونه تشبيها؟ ثم ما المانع أن يقال:

هو كأسد دم الهزبر خضابه فيكون المشبه به أسدا بهذه الصفة؟ ولا بدع فى جعل فرد من مادة الأسد، بلغ إلى أن صار دم غيره من الأسود خضابه، كما سبق فى قوله:

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإنه قصد به أن بعض أفراد النوع، يميز عنه بشئ غايته أن هذا بعيد، أما محال فلا نسلم، ثم قال: وكذا قول البحترى:

وبدر أضاء الأرض شرقا ومغربا ... وموضع رحلى منه أسود مظلم

<<  <  ج: ص:  >  >>