للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأول: أن يقول: فرق بين قولك: جاءنى أسد، تريد رجلا شجاعا، وقولك: جاءنى أسد تنزيلا له منزلة الأسد، والأول مجاز صرف لا مبالغة فيه، ولا نسميه استعارة؛ بل هو أليق باسم المجاز المرسل. والثانى استعارة؛ لأن معناه ادعاء أن المشبه داخل فى جنس المشبه به، وفرد من أفراده، أى: بلغ فى الشجاعة حدا يتوهم ناظره أنه نفس الأسد.

وسيأتى أن الادعاء لا يلزم منه إرادة الحقيقة كما هو رأى المصنف، وهذا معنى أبلغ من الأول، وهو الجدير باسم الاستعارة. وإلى هذا الفرق يشير قول البصريين: إن الأسد على هذا المعنى لا يتحمل ضميرا؛ لأنه لم يؤول بمشتق، وعلى المعنى الآخر يتحمل، لأنه مؤول ولا شك أنه مؤول على التقديرين، غير أنه على تقدير الاستعارة، يكون التأويل فى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به، وعلى تقدير المجاز المرسل، يكون التأويل فى إطلاقه على المشتق، فكان كالمؤول عليه. وفى الاستعارة أولناه على أسد وهو رجل، فكان المؤول عليه جامدا، فلم يتحمل الضمير. لكن هذا الذى قلناه يقتضى تخصيص قول المصنف: إن المجاز إذا كانت علاقته مشابهة معناه بغيره، يكون استعارة وأن يقال: إذا كانت العلاقة المشابهة، فإن قوى الشبه بحيث يمكن ادعاء أن هذا هو ذاك، كان استعارة، وإلا كان مجازا مرسلا. ويشهد لصحة ما قلناه قول السكاكى فى تفسير المجاز المرسل: إنه الخالى عن المبالغة فى التشبيه، ولم يقل:

الخالى عن التشبيه، فعلم أن العلاقة إذا كانت المشابهة، ولم تقصد المبالغة لا يسمى ذلك استعارة. وهذا هو الذى يقتضيه كلام الأكثرين كما ستراه - إن شاء الله تعالى - وإن شئت أن تسمى القسمين استعارة؛ أحدهما أبلغ من الآخر، فلا بدع.

الثانى: أن يقال: إن: زيد أسد، عند قصد تنزيله منزلته من باب مجاز الإسناد، فيكون الأسد فيه حقيقة على الحيوان المفترس؛ لكنك أسندته لما لا يصلح له حقيقة، فكان مجازا عقليا. ويشهد لهذا ما قدمناه من عبد القاهر من أن قول الشاعر:

فإنّما هى إقبال وإدبار

من المجاز العقلى، وإن كان الطيبى قد رد ذلك عند الكلام على قوله تعالى:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ (١) بما لا نطيل بذكره. وقد يستأنس له بقول


(١) سورة البقرة: ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>