للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عباس رضى الله عنهما، وهو الذى يظهر ليس بمقلوب لفظا للمعنى الذى أشرنا إليه، وهو أن الكفار مقهورون فكأنهم لا اختيار لهم، والنار متصرفة فيهم، وهم كالمتاع الذى يتصرف فيه من يعرض عليه، كما قالوا: عرضت

الجارية على البيع وعرضت القاتل على السيف والجانى على السوط، فالنار لما كانت هى المتصرفة فى العود قيل: عرضت العود على النار، وهذا الذى قلناه غير ما قاله شيخنا وغير ما قاله الزمخشرى وحاصله أن الذى فى الآية قلب معنوى ولا شذوذ فيه، والذى فى عرضت الناقة قلب لفظى، وهو شاذ، والحق ما قلناه إن شاء الله تعالى، على أن ابن السكيت قال فى كتاب التوسعة فى كلام العرب: تقول: عرضت الحوض على الناقة وإنما هو عرضت الناقة على الحوض، وهذا يقتضى أن عرضت الناقة على الحوض غير مقلوب وأن العبارة المشهورة عكس كلام العرب فقد خالف غيره نقلا ومعنى.

(تنبيه): قال الخفاجى فى سر الفصاحة: إن قوله تعالى: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ (١) ليس من القلب فى شئ، والمراد - والله تعالى أعلم - أن المفاتح تنوء بالعصبة أى تميلها، ونقله عن الفراء وغيره، قال: وكذلك: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٢) ليس المراد أن حبه للخير لشديد بل إنه لحب المال لشديد والشدة البخل، وأنه لا قلب فى قول أبى الطيب:

وعذلت أهل العشق حتّى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق (٣)

ليس معناه عجبت كيف لا يموت من يعشق؟ بل معناه كيف المنية غير العشق؟! أى الأمر الذى تقرر فى النفوس أنه أعلى مراتب الشدة هو الموت ولما ذقت العشق وعرفت شدته عجبت، كيف يكون هذا الصعب المتفق على شدته غير العشق؟! وكيف يجوز أن لا يعم غلبة حتى تكون منايا الناس كلهم به؟! وقال أيضا فى قول أبى الطيب الذى سنتكلم عليه فى علم البيان:

نحن قوم ملجنّ فى زىّ ناس


(١) سورة القصص: ٧٦.
(٢) سورة العاديات: ٨.
(٣) البيت لأبى الطيب المتنبى فى شرح التبيان للعكبرى ١/ ٤٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>