للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرازي: فإن قِيل: الآيَة مُشْكِلة، ذلك لأنَّ طَلَب الأجْر على تَبْلِيغ الوَحْي لا يَجُوز.

وظَاهِر هَذه الآيَة يَقْتَضِي أنه طَلَب أجْرًا على التَّبْلِيغ والرِّسَالة، وهو الْمَوَدَّة في القُرْبى.

والْجَوَاب عنه: أنه لا نزَاع في أنه لا يَجُوز طَلَب الأجْر على التَّبْلِيغ والرِّسَالَة، بَقِي قَوله: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) نَقُول: الْجَوَاب عنه مِنْ وَجْهَين:

الأوَّل: أنَّ هَذا مِنْ بَاب قَولِه (١):

ولا عَيب فيهم غَير أنَّ سُيُوفَهم بِهَا مِنْ قِرَاع الدَّارِعِين فُلُول

الْمَعْنَى: أنَا لا أطْلُب مِنْكُم إلَّا هَذا، وهَذا في الْحَقِيقَة لَيْس أجْرًا، لأنَّ حُصُول الْمَوَدَّة بَيْن الْمُسْلِمِين أمْر وَاجِب .... وإذا كان حُصُول الْمَوَدَّة بَيْن جُمْهُور الْمُسْلِمِين وَاجِبًا، فَحُصُولُها في حَقّ أشْرَف الْمُسْلِمِين وأكَابِرهم أَوْلى. وقَوله تَعَالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) تَقْدِيره: والْمَوَدَّة في القُرْبَى لَيْسَتْ أجْرًا، فَرَجَع الْحَاصِل إلى أنه لا أَجْر ألبتة.

الوَجْه الثَّاني في الْجَوَاب: أنَّ هَذا اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، وتَمَّ الكَلام عِنْد قَولِه: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)، ثم قَال: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) أي: لَكن أُذَكِّرُكم قَرَابَتِي مِنْكُم، وكَأنه في اللفظ أجْر، وليس بِأجْر (٢).

وقَدَّر في آيَة "الطور" أنَّ (أَمْ) وَقَعَت في ابْتِدَاء الكَلام بِقَوله: كَأنه تَعالى يَقُول:


(١) البيت للنابغة الذبياني، وهو في الأغاني، الأصفهاني (١١/ ٢٢)، وفي "ثمار القلوب"، الثعالبي (ص ٤٠٩)، وفي "سر الصفاحة"، الخفاجي (ص ٢٧٣) باختلاف عَمَّا الرازي هنا، فقد أوردوه هكذا:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وهكذا أورده الرازي في (٤/ ١٢١).
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢٧/ ١٤٢) بتصرف.

<<  <   >  >>