للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَكَر اخْتِلاف النَّاس في مَعْنَى آيَة "الشورى"، فنَقَل عن ابن عباس وغيره: هي آيَة مَكِّيَّة، نَزَلَتْ في صَدْر الإسْلام، ومَعْنَاها اسْتِكْفَاف شَرّ الكُفَّار، ودَفْع أذَاهم، أي: مَا أسْألُكم على القُرْآن والدِّين والدُّعَاء إلى الله إلَّا أن تَوَدَّوني لِقَرابَةٍ هي بَيْنِي وبَيْنَكُم، فَتَكُفُّوا عَنِّي أذَاكُم.

قال: فالآيَة على هَذا هي اسْتِعْطَاف مَا، ودَفْع أذًى، وطَلَب سَلامَة مِنهم، وذلك كُلّه مَنْسُوخ بِآيَة السَّيْف.

ويُحْتَمل على هذا التَّأوِيل أن يَكُون مَعْنَى الكَلام اسْتِدْعَاء نَصْرِهم، أي: لا أسْألُكم غَرَامَة ولا شَيئًا إلَّا أن تَوَدّوني لِقَرَابتي مِنكم، وأن تَكُونُوا أَوْلَى بي مِنْ غَيركم.

وقال مجاهد: الْمَعْنَى: إلَّا أن تَصِلُوا رَحِمِي بِاتِّبَاعِي.

ونَقَل عن ابن عباس أَيضًا ما يَقْتَضِي أنّهَا مَدَنِية، وَسَبَبَها أنَّ قَومًا مِنْ شَبَاب الأنْصَار فَاخَرُوا الْمُهَاجِرِين، ومَالُوا بِالقَول على قُرَيش، فَنَزَلَتْ الآيَة في ذلك، على مَعْنَى: إلَّا أن تَوَدُّوني فَتُرَاعُونني في قَرَابَتِي، وتَحْفَظُونَني فِيهم.

ثم رَجَّح أنّ قُرَيْشًا كُلّها قُرْبى، وإن كَانتْ تَتَفَاضَل.

كما ذَكَرَ مَا حَكاه النقاش عن ابن عباس ومُقاتل والكلبي والسدي أنَّ الآيَة مَنْسُوخة بِقَوله تَعالى في سورة سبأ: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ: ٤٧].

قال: والصَّوَاب أنّهَا مُحْكَمة. وعلى كُلّ قوْل فَالاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، و (إِلَّا) بِمَعْنَى (لكن) (١).

ومَعْنَى آية "الطور" عند ابن عطية: أمْ تَسْألهم يا محمد على الإيمان بالله وشَرْعِه أُجْرَة يُثْقِلُهم غُرْمُها، فَهُمْ لِذلك يَكْرَهُون الدُّخول فِيما يُوجِب غَرَامَتهم؟ (٢)

ويَرى أنَّ (أَمْ) التي في سورة القلم "تَتَضَمَّن الإضْرَاب عن الكَلام الأوَّل لا عَلى جِهَة الرَّفْض له، لكِن على جِهَة التَّرْك والإقْبَال على سِوَاه. وهذا التَّوقِيف لِمحمد


(١) انظر: المحرر الوجيز، مرجع سابق (٥/ ٢٣، ٣٤).
(٢) المرجع السابق (٥/ ١٩٣).

<<  <   >  >>