للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال أبو العالية: مَعْنَى الآيَة لَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهم مِنْ تِلك الذُّنُوب التي أصَابُوهَا مَع إقَامَتِهم عَلى الكُفْر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنّهم كَانُوا يَقُولُون في بَعْض الأحْيَان: نَحن نَتُوب مِنْ هذه الأفْعَال. وهُم مُقِيمُون على كُفْرِهم، فأخْبَر الله تعالى أنه لا يَقْبَل تِلك التَّوْبَة.

قال ابن عطية: وتَحْتَمِل الآيَة عِندي أن تَكُون إشَارة إلى قَوْم بِأعْيَانِهم مِنْ الْمُرْتَدِّين خَتَم الله عَليهم بِالكُفْر، وجَعَل ذلك جَزاء لِجَرِيمتِهم ونِكَايَتِهِم في الدِّين، وهُم الذين أشَار إليهم بِقَولِه: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا) [آل عمران: ٨٦] فأخْبَر عنهم أنّهم لا تَكُون لَهُمْ تَوبة فيُتَصَوَّر قَبُولُها (١).

وبيَّن الرَّازي مَعْنَى الزِّيَادَة في الكُفْر، بأنَّ "الْمُرْتَدّ يَكُون فَاعِلًا للزِّيَادَة بِأن يُقِيم ويُصِرّ، فَيَكُون الإصْرَار كَالزِّيَادَة، وقد يَكُون فَاعِلًا للزِّيَادَة بِأن يَضُمّ إلى ذلك الكُفْر كُفْرًا آخَر".

ثم ذَكَر مَا قِيل في سَبَب نُزُول الآيَة.

وأشَار إلى تَوَهُّم التَّعَارُض فَقَال:

"إنَّ الله تَعالى حَكَم في الآيَة (٢) بقَبُول تَوبَة الْمُرْتَدِّين، وحَكَم في هَذه الآيَة بِعَدَم قَبُولِها، وهو يُوهَم التَّنَاقُض. وأيضًا ثَبتَ بِالدَّلِيل أنه مَتى وُجِدَت التَّوبَة بِشُرُوطِها فإنّها تَكُون مَقْبُولَة لا مَحَالَة؛ فَلِهَذا اخْتَلَف الْمُفَسِّرُون في تَفْسِير قَوله تَعالى: (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) على وُجُوه"، وهي باختصار:

١ - السَّبَب أنّهم لا يَتُوبُون إلَّا عند حُضُور الْمَوْت.

٢ - أن يُحْمَل هَذا على مَا إذا تَابُوا باللسَان ولم يَحْصُل في قُلُوبِهم إخْلاص.


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٦٩، ٤٧٠).
(٢) أي: الآية التي سبقت هذه الآية، وهي قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِين تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: ٨٩].

<<  <   >  >>