للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القَول الثَّاني: أنَّ مَعْنَاه: أَنّى يَكُون لي غُلام؟ يَعْنِي: كَيف يَكُون لي غُلام، أفَتَرُدّني إلى حَال الشَّبَاب، أوْ تَهَب لي الغُلام وأنا شَيْخ؟

وقِيل: إنه سَأل الوَلَد مُطْلَقًا لا مِنْ هَذه الْمَرْأة، فَقَال: كَيف يَكُون لي الغُلام أمِن هَذِه الْمَرْأة أوْ مِنْ غَيْرها؟ (١)

وأورَد الثعلبي إشْكَالًا، ثم أجَاب عَنه، فَقَال: فَإن قِيل: لِمَ تَنَكّر زَكَرِيّا ذَلك، وسَأل الآيَة بَعْدَمَا بَشَّرَتْه بِه الْمَلائكَة؟ أكَان ذَلك شَكّ في صِدْقِهم، أمْ أنَّ ذَلك مِنْه اسْتِنْكَارًا لِقُدْرَة رَبّه؟ وهَذا لا يَجُوز أن يُوصَف بِه أهْل الإيمان، فَكَيف الأنْبِيَاء عَلَيهم السَّلام؟

قِيل: إنَّ الْجَواب عَنه مَا رَوَى عِكْرِمَة والسُّدّي أنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا سَمِع نِدَاء الْمَلائكَة جَاءه الشَّيْطَان، فَقَال: يَا زَكَرِيّا إنَّ الصَّوت الذي سَمِعْتَه لَيْس مِنْ الله، إنّما هُو مِنْ الشَّيْطَان يَسْخَرُ بِك، ولَو كَان مِنْ الله لأوْحَاه إليك خَفِيّا، كَمَا نَادَاك خَفِيّا (٢)، وكمَا يُوحِي إليك في سَائر الأمُور. فَقَال ذَلك دَفْعًا للوَسْوَسَة.

والْجَوَاب الثَّاني: إنه لَم يَشُكّ في الوَلَد، وإنّمَا شَكّ في كَيْفِيَّتِه، والوَجْه الذي يَكُون مِنه الوَلَد، فَقَال: أنَّى يَكُون لي وَلَد؟ أي: فَكَيْف يَكُون لي وَلَد؟ أتَجْعَلني وامْرَأتي شَابَّيْن؟ أم تَرْزُقنا وَلَدًا عَلى كِبَرِنا؟ أمْ تَرْزُقني مِنْ امْرَأتي أوْ غَيْرها مِنْ النِّسَاء؟ قَال ذَلك مُسْتَفْهِمًا لا مُنْكِرًا؛ وهَذا قَول الْحَسَن وابن كَيْسَان (٣).

واقْتَصَر الزمخشري على قَولِه: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ): اسْتِبْعَاد مِنْ حَيْث العَادَة، كمَا قَالَتْ مَرْيم.

(وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) كَقَولِهم: أدْرَكَتْه السِّن العَالِية.


(١) تفسير القرآن، مرجع سابق (٣/ ١٢٨٠).
(٢) في رواية ابن جرير: كما أخفيت نداءك.
(٣) الجواهر الحسان، مرجع سابق (٣/ ٦٦).

<<  <   >  >>