للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القَوي العَقْلِيّ البُرْهَاني الذي يَنْطَبِق عليه لَفْظ القُرآن. فَكَيف يَحْسُن مَع ذلك حَمْل هَذا اللَّفْظ على التَّكَلُّفَات التي ذَكَرُوها" (١). ثم شَرَع في إبطال الأقوال الضعيفة وَرَدّها.

واخْتَار ابنُ جُزي أنَّ مَعْنى قَوله تَعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ) أنه الطَّبْع على الأفْئدَة، والصَّدّ عَنْ الْفَهْم فلا يَفْهَمُون.

(كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا): الكَاف للتَّعْلِيل، أي: نَطْبَع على أفْئدَتهم وأبْصَارِهم عُقُوبة لهم على أنَّهم لا يُؤمِنُون بِه أوَّل مَرَّة، ويُحْتَمل أن تَكُون للتَّشْبِيه، أي: نَطْبَع عليها إذا رَأوا الآيات مِثْل طَبْعِنا عَليها أوَّل مَرَّة (٢).

وضَعَّف ابن كثير ما ذَهَب إليه الزَّمَخْشَري مِنْ تَكَلُّف تَأوُّل الطَّبْع والْخَتْم عَلى القُلُوب، فَقَال ابنُ كَثير: وتأوّل (٣) الآية مِنْ خَمْسَة أوْجُه (٤) وكُلّها ضَعِيفَة جِدًّا، وَمَا جَرّأه على ذلك إلَّا اعْتِزَاله، لأنَّ الْخَتْمَ على قُلُوبِهم ومَنْعها مِنْ وُصُول الْحَقّ إليها قَبِيح عِنده - يَتَعَالى الله عنه في اعْتِقَادِه - ولَو فَهِم قَوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف: ٥]، وقوله: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، وما أشْبَه ذَلك مِنْ الآيات الدَّالَّة عَلى أنه تعالى إنما خَتَم عَلى قُلُوبِهم وحَالَ بَيْنَهم وبَيْن الْهُدَى جَزاءً وِفَاقًا على تَمَادِيهم في البَاطِل وتَرْكِهم الْحَقّ؛ وهَذا عَدْلٌ مِنْه تعالى حَسَن ولَيْس بِقَبِيح، فلو أحَاط عِلْمًا بِهَذا لَمَا قَال مَا قَال، والله أعلم. قال


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٣/ ١٢١).
(٢) التسهيل لعلوم التنْزيل، مرجع سابق (٢/ ١٩).
(٣) يعني الزمخشري.
(٤) الكشاف، مرجع سابق (ص ٤١، ٤٢) وقد ردّه ناصر الدين ابن الْمُنيِّر في حاشية الكشّاف (الموضع السابق).

<<  <   >  >>