تنطلق من مسلَّماتٍ أُولى لا دليل عليها تنسج منها وعليها نسيجًا هائلًا من التفكير الدائري وتحصيلات الحاصل!
• إلى أي مدى يساهم غياب التفكير النقدي في ظهور المغالطات المنطقية؟ وما أكثر المغالطات شيوعًا نتيجة لذلك؟
- التفكير النقدي مرحلة متقدمة من النمو المعرفي، حيث يرتقي العقل النامي إلى الوعي بوجود افتراضات تحتية أساسية يقوم عليها بناؤه الفكري، وإخراج هذه الافتراضات إلى واضحة النهار، ووضعها تحت أضواء النقد، التفكير النقدي ليس شيئًا سليقيًّا فطريًّا، بل يحتاج إلى تعَلُّم وممارسة، في البدء كان الخطأ، في البدء كانت المغالطة، في البدء كانت التحيزات المتأصلة والأوهام الموروثة الغائرة، وحين يمارس المرء التفكير النقدي إنما يسبح ضد هذا التيار ويجتاز هذه «العوائق الطبيعية». في غياب التفكير النقدي تتدفق المغالطات تدفقًا تلقائيًّا طبيعيًّا غيرَ موقوفةٍ وغير مُعترَضة unopposed، ومن ثم فإن أكثر المغالطات شيوعًا هي تلك المغالطات المبيَّتة في بنية الدماغ البشري نفسه: الأنالوجي الزائف، والتعميم المتسرع، والتشييء، والبروكروستية، ومن أكثر المغالطات شيوعًا بصفةٍ خاصة تلك الطرائق من التفكير التي خدمت الجنسَ البشري في مراحله الأولى، وأعانته على البقاء حين كان الرهان الإدراكي والتفسيري باهظًا: مغالطة المنشأ، والأنسنة (تشبيه اللاإنساني بالإنساني)، والاحتكام إلى التقاليد.
• الأصل في التدليل على الحجة هو رد ما هو غير مقبول إلى ما هو مألوف … إلى أي مدى يكون هناك نجاح في الوصول إلى أصل مقبول أو مألوف لجميع الناس؟
- كثيرًا ما تكون المماحكة في الجدل ميسورةً حتى في أكثر الأفكار خطلًا وبُعدًا عن العقل، وقد أوضح كارل بوبر أن تجنب التفنيد هو أمر ميسور دائمًا، وأفاض في تبيان آليات ذلك، غير أن من البين المتواتر أيضًا أنه كلما توافر للناس حججٌ أكثر قبولًا وصلابة ازداد بُعدهم عن الحجج المغالطة. إن الوقائع facts الصلبة قائمة مشهودة قلما يختلف عليها الناس، وقوانين الفكر الثلاثة (الهوية، عدم التناقض، الثالث المرفوع) وقوانين المنطق الصوري بصفة عامة هي شيء عمومي لا خلاف عليه، من الممكن في أغلب الأحوال أن ننصرف عن الشيء الذي نختلف حوله إلى شيءٍ آخر لا نختلف حوله، ونحاول أن نستدل منه على ذلك الشيء، على أن نعترف في النهاية بأن من الناس من يعتصم في جدله بدرجةٍ من التنَطُّع والمماحكة يستحيل معها أي نقاشٍ مُنتِج.