الكتاب، فكان في ترتيبه لها مرتبطا بهذا المحور، ولا تكاد تجد للجانب الفقهي أثراً إلا في التبويب العام، أما داخل الأبواب فإن ترتيب الأحاديث يتم عنده حسب المعطيات الإسنادية والخصائص النقدية، إذ يراعي الشهرة والعلو والخلو من العلة وأمثال ذلك (١) .
د - وفي هذا الإطار جعل لكتابه بخلاف البخاري مقدمة في منهج النقد الحديثي تعدُّ من أقدم ما كتب في الجانب النظري والتقعيدي لعلم مصطلح الحديث، فكان هذا وذاك مما أعطى لكتابه تميزاً حظي على أساسه بتفضيل عدد لا يستهان به من العلماء كما تقدم.
وفي هذا القرن أيضا ألَّف الأئمة الأربعة سننهم المشهورة وهم: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت٢٧٥هـ) وأبو عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي (ت٢٧٩هـ) وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت٣٠٣هـ) ومحمد بن يزيد المشهور بابن ماجه (ت٢٧٣هـ) ، الذين تعد كتبهم مظهراً من مظاهر اكتمال قواعد النقد الحديثي ونضج الرؤية المستوعبة لحاجات الأمة ورغباتها واستمرارا لسير المحدثين نحو تطوير تآليفهم على مستوى النقد ونوع المادة المدونة وعلى نحوٍ عال من الإخراج والترتيب والتبويب وحتى التراجم، وهكذا اشتركت السنن الأربعة في الأمور الآتية:
١ – العمل على استيعاب مضامين الكتب السابقة وتضمين مادتها في ثنايا ما ألفوه، والسعي إلى جعل تآليفهم تغني عن كل ما سبقها.
٢ - توجيه العناية لأحاديث الأحكام على نحوٍ يلبي حاجة الفقهاء
(١) انظر تفصيل منهج الإمام مسلم عند د. حمزة المليباري في كتابه عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح – دراسة تحليلية.