الحاجة إلى تقديم الملك؛ لأن ما للأب من تأويل الملك في مال الابن لا يكفي لثبات النسب منه، ألا ترى أنه لو ادعى نسب ولده من يد أبيه لا يصح إلا بتصديق الابن.
وروى بشر أن آخر ما استقر عليه قول أبي يوسف رحمه الله: أن الجارية لا تصير أم ولد للأب، ولكن الولد حر بالقيمة بمنزلة الولد المعروف، فيغرم الأب عقرها وقيمة ولدها، وقاسه على ما إذا ادعى ولد جارية مكاتبة، فإنه لا تصير الجارية أم ولد له، فأما ليس للأب في مال الابن حق الملك، ألا ترى أنه يجوز للابن وطؤها، فلا يمكن إثبات النسب من الأب، إلا بتقديم الملك له في الجارية، وإذا قدمنا الملك في الجارية صار الأب مستولداً في ملكه، فتصير الجارية أم ولد له لهذا.
وإذا اشترى الرجل أمة حاملاً وولدت عنده بعد الشراء بيوم، فادعى أب المشتري الولد لا تصح دعوته إلا بتصديق الابن؛ لأن العلوق لم يكن متصلاً لا بملكه، ولا بتأويل ملكه ولا (٢٢٧ب٤) بد من أحدهما لصحة الدعوة من غير تصديق المالك، وكذلك المدبرة تكون عند الرجل فتلد ولداً، فإنه لا تصح دعوة الأب إلا بتصديق الابن؛ لأن تدبير الجارية يمنع صحة الدعوى، والعلوق متصل بتأويل الملك، وإذا لم تصح الدعوة في حق الجارية لا تصح في حق الولد.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف: أن دعوة الأب في ولد مدبرة الابن صحيحة يثبت نسب الولد منه ويضمن عقرها وقيمة الولد مدبراً، وهذا على الأصل الذي ذكرنا لأبي يوسف رحمه الله أنه لا يتملك الجارية ولكنه بمنزلة المغرور في دعوة النسب، وفي هذا القنة والمدبرة سواء إلا أنه يضمن قيمته مدبراً؛ لأنه كما انفصل من أمه انفصل مدبراً، فإنما يضمن قيمته على الوجه الذي أتلفه بدعوته.
وفرق على هذه الرواية بين ولد المدبرة وبين ولد أم الولد، والفرق: أن ولد أم الولد ثابت النسب من مولاها، فيمنع ذلك صحة دعوى الأب فيه، وكذلك إذا ادعى ولد مكاتبة ابنه لا تصح دعوته إلا بتصديق الابن، لأن دعوة الابن إنما تصح إذا كانت الجارية محل التملك، لأنه إذا صحت دعوته تملك الجارية سابقاً على الاستيلاد والمكاتبة ليست بمحل التملك.
ثم يستوي في هذه الصورة إن ولدته وهي مكاتبة أو كانت الكتابة بعد الولادة، وكذلك هذا على وجوه: أما إن كاتب الأم والولد جميعاً، أو كاتب الولد خاصة في هذين الوجهين لا تصح دعوة الأب؛ لأن الولد هو المقصود، وقد ثبت في الولد من جهة الابن ما يمنع نقله إلى الأب، فلهذا لا تصح دعوة الأب، وإن كانت الأم بعدما ولدت خاصة، ثم ادعى الأب نسب الولد، قال في موضع من كتاب الدعوى: لا تصح دعوته، وقال في موضع آخر: تصح وثبت نسب الولد ولا يصدق في جوابه.
قيل: ما ذكر أنه تصح دعوته قول أبي يوسف رحمه الله، وما ذكر أنه لا تصح دعوته قول محمد رحمه الله، نص على الخلاف على هذا الوجه فيما إذا باع الابن الأم بعد الولادة، ثم ادعى أبوه نسب الولد على قول أبي يوسف رحمه الله: تصح دعوته