للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز ترك النص أصلاً وإنما يجوز تخصيصه، ولكن مشايخنا لم يجوزوا هذا التخصيص لأن ذلك تعامل أهل بلدة إن كان يجوز التخصيص فترك التعامل من أهل بلدة أخرى يمنع التخصيص؛ فلا يثبت التخصيص بالشك، بخلاف الاستصناع، فإنه وجد التعامل فيه في البلاد كلها، وإذا فسدت الإجارة كان للحائك أجر مثل عمله والثوب لصاحب الغزل.

قال: وكذلك الطعام يحمله الرجل في سفينة أو على دابة بالنصف، لا يجوز ولا تجيء هاهنا العلة الأولى، التي ذكرناها في الحائك أن الأجر معدوم، لأن الأجر هاهنا موجود مشار إليه، وإنما تجيء العلة الثانية أن العمل في الانتهاء يقع في شيء مشترك، لأنه بابتداء العمل يصير بعض الطعام ملكاً للعامل فيقع العمل في محل مشترك وهذا يوجب الفساد إن كان لا يمنع الانعقاد.

قال: وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضاً ليغرسها أشجاراً أو كرماً من عند نفسه على أن الأرض والأشجار بينهما نصفان فالعقد فاسد، لأنه جعل نصف الأرض بمقابلة نصف الغرس بشرط أن يعمل في النصف الباقي فيكون البيع مشروطاً في الإجارة، والإجارة مشروطة في البيع، فيكون صفقتين في صفقة وإنه منهي والأشجار لصاحب الأرض، وعليه للغارس قيمة الأغراس وأجره مثل عمله، وإنما كان الأشجار لصاحب الأرض؛ لأن صاحب الأرض اشترى نصف الأغراس شراء فاسداً، لأن الأغراس مجهولة وصار قابضاً لما اشترى حكماً لاتصاله بأرضه فصار ذلك النصف ملكاً له والنصف الآخر بقي على ملك الغارس وقد غرسه في ملك الغير، إلا أنه تعذر عليه القلع لأن نصيبه غير ممتاز عن نصيب صاحب الأرض فلو قلع يتضرر صاحب الأرض وصاحب الأرض صاحب أصل، والغارس صاحب بيع، فيملك عليه نصيبه بالقيمة نفياً للضرر.

فإن قيل: ينبغي أن يصير نصف الأرض ملكاً للغارس؛ لأنه اشترى نصف الأرض بنصف الأغراس شراء فاسداً وقبضه حقيقة، فيصير مملوكاً له، وإذا صار نصف الأرض مملوكاً للغارس كان نصف الأغراس الذي هو على ملكه مغروسة في ملكه فلا يكون لصاحب الأرض عليه سبيل.

قلنا: صاحب الأرض ما دفع الأرض إلى الغارس بحكم عقد فاسد إنما دفع إليه الأرض ليغرسها، ثم جعل نصف الأرض له مغروساً عوضاً عن الغرس فلم تكن الأرض مقبوضة بحكم عقد فاسد قبل الغرس، فلهذا لا يملك نصف الأرض فكان الكل مغروساً على ملك رب الأرض وقد غرس بإذنه، إلا أنه ما غرسه مجاناً فيجب للغارس قيمة الغرس وأجر مثل عمله.

وفي «شرح القدوري» : وإذا دفع الرجل إلى رجل دابة ليعمل عليها بالنصف فإن تقبل الطعام ثم حمل عليها كان الأجر كله للمتقبل، ولصاحب الدابة أجر مثل الدابة وإن أجر الدابة ليحمل عليها فهو لرب الدابة، ولهذا أجر مثل عمله وفي مضاربة الأصل.

وإذا دفع الرجل إلى رجل دابة ليعمل عليها، ويؤاجرها على أن ما رزق الله من شيء فهو بينهما، فأجرها واحد عليها، فإن جميع غلة الدابة يكون لصاحب الدابة وللعامل أجر مثل عمله؛ فيما عمل لأن تصحيح هذا العقد مضاربة متعذر؛ لأنه جعل رأس مال المضاربة منافع الدابة ومنافع الدابة مما يتعين في العقود فلا يصلح رأس مال المضاربة، وإذا تعذر جعلها مضاربة جعلناها إجارة وإنها إجارة فاسدة لوجهين:

أحدهما: أنه استأجر العامل ليؤاجر دابته بنصف أجر الدابة، وإنه معلوم فيه واجب في الذمة ولا عين مشار إليه فصار في معنى قفيز (٢٩أ٤) الطحان.

والثاني: أنه استأجره ليؤاجر دابته ولم يبين لذلك مدة، وفي مثل هذا لا تجوز الإجارة وإن كان البدل معلوماً فلأن لا يجوز هاهنا والبدل مجهول أولى بعد هذا ننظر أن أجر العامل الدابة من الناس وأخد الأجر كان الأجر كله لرب الدابة، لأنه بدل منافع دابته، ألا ترى أنها لو هلكت قبل التسليم بطلت الإجارة.

وألا ترى أنه لو حمل ذلك على دابة أخرى أو على ظهره لا يستحق الأجر دل أن ما أخذ بدل منافع دابته، وقد أجرها بإذنه فيكون له وكان بمنزلة ما لو أمره ليبيع دابته على أن يكون نصف الثمن له فباعها كان كل الثمن لصاحب الدابة، لأنه ثمن دابته كذا ها هنا وللعامل

<<  <  ج: ص:  >  >>