للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معروف: لا يستأجره بشيء منه.

والمعنى فيه: أنه جعل الأجر شيئاً معدوماً؛ لأنه جعل الأجر بعض الدقيق الذي يخرج من علمه، وإنه معدوم في الحال حقيقة، وليس له حكم الوجود؛ لأنه غير واجب في الذمة؛ لأنه إنما يجب في الذمة ما له وجود في العالم، والبدل في المعاملات يجب أن يكون موجوداً حقيقة كالعين أو حكماً كالثمن.

والجملة في ذلك لمن أراد الجواز أن يشترط صاحب الحنطة قفيزاً من الدقيق الجيد؛ لأن الدقيق إذا لم يكن مضافاً إلى حنطة بعينها يجب في الذمة، والأجر كما يجوز أن يكون عيناً مشاراً إليه يجوز أن يكون فيها في الذمة، ثم إذا جاز يعطب ربع دقيق هذه الحنطة إن شاء وإنما شرط أن يقال: ربع هذه الحنطة من الدقيق الجيد؛ ليكون الأجر معلوم القدر.

ولو استأجر حانوتاً بنصف ما يربح فيه فالإجارة فاسدة، وكان على المستأجر أجر مثل الحانوت، وإنما فسدت الإجارة أما؛ لأن ما يربح مجهول؛ أو لأنه جعل الأجر بعض ما يحدث من علمه، فيكون في معنى قفيز الطحان.

وإذا دفع الرجل إلى حائك غزلاً لينسجه بالنصف أو ما أشبه ذلك فالإجارة فاسدة، أما لأنه في معنى قفيز الطحان لأنه جعل الأجر بعض ما يحدث من عمله؛ أو لأن هذه الإجارة في الابتداء إن صادفت محلاً غير مشترك بينه وبين المستأجر ففي الانتهاء صادفت محلاً مشتركاً، وهذا لأنه لا شركة في ابتداء العمل في المحل ولكن تم العمل والمحل مشترك، لأنه يجب بعض الأجر بابتداء العمل ولو كان صادفت محلاً مشتركاً ابتداء وانتهاء لم تنعقد الإجارة ولم يجوز الأجر لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فإذا صادفت محلاً غير مشترك في الابتداء ومحلاً مشتركاً في الانتهاء لم يمنع انعقاد العقد ومنع الجواز.

ومشايخ بلخ كنصيربن يحيى ومحمد بن سلمة وغيرهما كانوا يفتون بجواز هذه الإجارة في الثياب لتعامل أهل بلدهم في الثياب والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر وتجويز هذه الإجارة في الثياب للتعامل بمعنى تخصيص النص الذي ورد في قفيز الطحان، لأن النص ورد في قفيز الطحان؛ لا في الحائك إلا أن الحائك نظيره فيكون وارداً فيه دلالة، فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحائك وعملنا بالنص في قفيز الطحان كان تخصيصاً، لا تركاً أصلاً وتخصيص النص بالتعامل جائز.

ألا ترى أنا جوزنا الاستصناع للتعامل والاستصناع بيع ما ليس عنده وإنه منهي عنه ولكن قيل: تجويز الاستصناع بالتعامل تخصيص منا للنص الذي ورد في النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان لا تركاً للنص أصلاً، لأنا عملنا بالنص في غير الاستصناع.

قالوا: وهذا بخلاف ما لو تعامل أهل بلدة قفيز الطحان، فإنه لا يجوز ولا تكون لتعاملهم عبرة لأنا لو اعتبرنا تعاملهم كان تركاً للنص أصلاً لأنه متى انفسخ النص مما ورد فيه لا يجوز العمل بدلالته في غير ما ورد فيه فيكون تركاً للنص أصلاً وبالتعامل لا

<<  <  ج: ص:  >  >>