الوجه الثاني: إذا رأت يومين دمين مختلفين وطهرين مختلفين، فإن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً وأربعة دماً وستة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم فلا رواية في هذا الفصل. وقد اختلف المشايخ فيه، وقال الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله: تبني ما رأته في المرة الثانية على ما رأته في المرة الأولى. وتفسير ذلك أنها لما رأت أربعة دماً فثلاثة من ذلك مدة حيضها واليوم الرابع من حساب طهرها إلا أنها تترك الصلاة فيه لرؤية الدم، فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر منها تمام طهرها ويومان مدة حيضها، فلا تترك الصلاة فيه لأن ابتداء الحيض بالطهر لا يكون، فجاء الاستمرار وقد بقي من مدة حيضها يوم، واليوم الواحد لا يكون حيضاً فتصلي إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر ثم تقعد ثلاثة وتصلي خمسة عشر أبداً.
وجه قوله: أن المرة الواحدة في حق المبتدأة لنصب العادة كالمرتين في المعتادة، فصار ما رأته أول مرة عادة لها، وصاحبة العادة تبني عند الاستمرار ما لم يُوجد ما ينقصها، كما إذا كانت رأت ذلك مرتين ولم يوجد ما ينقصها لأنها لم تر ما يخالف عادتها مرتين، وقال الفقيه أبو عثمان سعد بن مزاحم السمرقندي رحمه الله: لا تبني ما رأته في المرة الثانية على ما رأته في المرة الأولى ولكن تستأنف الحساب وتبني في زمان الاستمرار على أول المرئي.
ووجه قوله: أن ما رأته أول مرة لم يصر عادة لها لأن العادة مشتقة من العود، ولا عود في حق المرئي أولاً لترد إليه فلا ترد إليه بخلاف ما إذا رأت الأول مرتين، والثاني مرة واحدة، ثم جاء الاستمرار حيث تبني الثاني على الأول لأن هناك ما رأته أول مرة صار عادة لها بالتكرار فجاز أن تبني الثاني على الأول، أما ههنا بخلافه ولكن تستأنف الحساب من أول الاستمرار وتبني على أول المرتين لوجود الأقل في الأكثر فتقعد في أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر وذلك دأبها، وهذا الاختلاف إنما يتأتي على قول محمد رحمه الله.
أما على قول أبي يوسف رحمه الله تبني الأمر في زمان الاستمرار على ما رأته آخر مرة لأن عنده العادة تنتقل برؤية المخالف، مرة فأكثر ما فيه أن ما رأته أول مرة صار عادة لها إلا أنها انتقلت إلى ما رأته الأمر فتبني الأمر في زمان الاستمرار على ما رأته آخراً.
الوجه الثالث: أن ترى ثلاثة دماء مختلفة وثلاثة أطهار مختلفة كلها صحاح بأن رأت الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر ثم رأت الدم أربعة والطهر ستة عشر، ثم رأت الدم خمسة والطهر سبعة عشر، وفي هذا الوجه لا تبني البعض على البعض بلا خلاف، فرّق الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني على قول محمد رحمه الله بين هذا الوجه وبين الوجه الثاني من حيث إن ههنا رأت خلاف ما رأته أولاً مرتين والعادة تنتقل برؤية المخالف مرتين بخلاف الوجه الثاني لأن هناك رأت المخالف مرة واحدة.
ثم إذا لم تبني البعض على البعض في هذا الوجه. ماذا تصنع قال الفقيه محمد بن إبراهيم رحمه الله: تبني أمرها هي على أوسط الأعداد، وهو قول أبي نصر أحمد بن سهل