أما أن يقول الحق: إنه «تكلم» مع موسى، فهذا نقل من الخفاء إلى العلن، أو يرسل الحق رسولاً بالكلام الموحى به. وحين قال سبحانه:{وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً} إنما ينبهنا إلى أن الوحي لموسى ليس من الكلام الذي قسمه الحق في قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} ؛ لأن الله قال في كلامه لموسى:{وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً} .
ووقف العلماء هنا وقفة عقلية وقالوا: كيف يتكلم الله إذن؟ . ونقول: إن كل وصف لله ويوجد مثله لخلقه إنما نأخذه بالنسبة لله في إطار: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فإن قلت: إن لله وجوداً وللإنسان وجوداً، فوجود الإنسان ليس كوجود الله، وإن قلنا: إن لله علماً، وللإنسان علماً، فعلم الإنسان ليس كعلم الله، وإن قلنا: إن لله قدرة، وللإنسان قدرة، فقدرة الإنسان ليست كقدرة الله، وإن قلنا: إن لله استواء على العرش وللإنسان استواء على الكرسي، فاستواء الله ليس كاستواء الإنسان. إذن فلا بد أن تؤخذ كل صفة من صفات الله التي يوجد مثلها في البشر في إطار قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]
وبذلك ينتهي الخلاف كله في كل ما يتعلق بصفات الحق.
فالحق له يدان وله وجه، ولكن لا يمكن للإنسان أن يصور يد الله كيد البشر، بل نأخذها في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وكذلك وجه الله. ومادمنا نأخذ صفات الله في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فلا داعي للمعركة الطاحنة بين العلماء في الصفات وفي تأويل الصفات، ولا داعي أن ينقسم العلماء إلى عالم يؤوّل الصفات وعالم لا يؤول؛ لاداعي أن يقول عالم: إن يد الله هي قدرته فيؤول، وعالم آخر لا يؤول ويقول: لا. إن لله يداً ويسكت. ونقول للعالم الذي لا يؤول: قل: إن لله يداً وهي تناسب قوله « {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وإذا كنا نحن قد عرفنا في عالمنا أن الأشياء تختلف مواجيدها في الناس باختلاف الناس، فلا بد من أن نعرف أن الله لا مثيل له.
وعلى سبيل المثال: يتلقى الإنسان دعوة لمائدة عمدة قرية ما، فيقدم له ألوان