ذَلِكَ كَذِبُ النَّقِيضِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّكْلِ الثَّانِي، وَيَلْزَمُهُ صِدْقُ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ أَوْ نَقِيضُهُ مَذْكُورًا فِيمَا لَزِمَ عَنْهُ بِالْفِعْلِ فَيُسَمَّى اسْتِثْنَائِيًّا.
وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا: اسْتِثْنَائِيَّةٌ لِعَيْنِ أَحَدِ جُزْئَيِ الْقَضِيَّةِ الْأُخْرَى أَوْ نَقِيضِهِ، ثُمَّ الْقَضِيَّةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ جُزْأَيْنِ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ بِإِيجَابٍ أَوْ سَلْبٍ.
وَالنِّسْبَةُ الْإِيجَابِيَّةُ بَيْنَهُمَا، إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِاللُّزُومِ وَالِاتِّصَالِ - وَفِي حَالَةِ السَّلْبِ بِرَفْعِهِ - أَوْ بِالْعِنَادِ وَالِانْفِصَالِ وَفِي حَالَةِ السَّلْبِ بِرَفْعِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ؛ فَتُسَمَّى تِلْكَ الْقَضِيَّةُ شَرْطِيَّةً مُتَّصِلَةً، وَأَحَدُ جُزْئَيْهَا - وَهُوَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الشَّرْطِ - (مُقَدَّمًا) ، وَالثَّانِي - وَهُوَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَزَاءِ - (تَالِيًا) وَمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ فِيهِ يُسَمَّى قِيَاسًا شَرْطِيًّا مُتَّصِلًا.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي؛ فَتُسَمَّى مُنْفَصِلَةً، وَمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ فِيهِ يُسَمَّى قِيَاسًا مُنْفَصِلًا.
أَمَّا الشَّرْطِيُّ الْمُتَّصِلُ، فَشَرْطُ إِنْتَاجِهِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي كُلِّيَّةً؛ أَيْ: دَائِمَةً، وَأَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إِمَّا بِعَيْنِ الْمُقَدَّمِ مِنْهَا أَوْ نَقِيضِ التَّالِي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّالِيَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنَ الْمُقَدَّمِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَتِ الْقَضِيَّةُ كَاذِبَةً، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَاسْتِثْنَاءُ عَيْنِ الْمُقَدَّمِ يَلْزَمُ مِنْهُ عَيْنُ التَّالِي سَوَاءٌ كَانَ التَّالِي أَعَمَّ مِنَ الْمُقَدَّمِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ التَّالِي يَلْزَمُ مِنْهُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ.
وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ وَعَيْنُ التَّالِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّالِي أَعَمَّ مِنَ الْمُقَدَّمِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ، وَلَا مِنْ وُجُودِ الْأَعَمِّ وُجُودُ الْأَخَصِّ.
وَإِنْ لَزِمَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ الْإِنْتَاجُ لَازِمًا لِنَفْسِ صُورَةِ الدَّلِيلِ بَلْ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِنَا: دَائِمًا إِنْ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ إِنْسَانًا فَهُوَ حَيَوَانٌ لَكِنَّهُ إِنْسَانٌ فَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ، أَوْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانًا.
وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ، فَالْمُنْفَصِلَةُ مِنْهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَانِعَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ وَالْخُلُوِّ مَعًا، أَوْ مَانِعَةَ الْجَمْعِ دُونَ الْخُلُوِّ، أَوْ مَانِعَةَ الْخُلُوِّ دُونَ الْجَمْعِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَيَلْزَمُ مِنَ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُزْأَيْنِ نَقِيضُ الْآخَرِ وَمِنِ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِهِ عَيْنُ الْآخَرِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِنَا: دَائِمًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ